أعجبُ لقومٍ يرونَ إنسانًا مجرمًا بكلِّ مَا تعنيهِ هذهِ الكلمةِ من أبعادٍ وشراسةٍ وتعدٍّ، ثمَّ يتركُونهُ يعبثُ بمَا يملكُونَ من أنفسٍ وأرواحٍ، بلْ قدْ يتعدَّى شرُّهُ إلى الجيرانِ والأجنَّةِ في الأرحامِ، شرسٌ يستخدمُ كلَّ مكوِّناتِهِ وإمكانياتِهِ لقتلِ الآخرِينَ، وتيتمِ أطفالِهِم، وترميلِ زوجاتِهِم، صحيحٌ هُو في البدايةِ يحذِّرُ ويعلنُ تهديدَهُ للجميعِ قبلَ أنْ يهجمَ ويقتلَ، مكتوبٌ على جبينهِ إنَّني أودِي بكُم إلى الموتِ، وأُسبِّبُ لكُم السرطانَ، وأقضِي على الصَّغيرِ قبلَ الكبيرِ، ومعَ هذَا كلِّهِ نجدُ مَن لا يجرِّمهُ، بلْ يعملُ لهُ دعايةً، ويشغلُ النَّاسَ بهِ، مع العلمِ أنَّه مكلِّفٌ ولهُ ميزانيَّتهُ الشهريَّةُ، إمَّا أنْ تشتريه مفردًا على شكلِ «بكاتاتٍ»، أو يهيئ لكَ من خلالِ «ليٍّ».. الأوَّلُ الدخانُ، والثَّاني الشيشةُ، كلاهما مجرَّم.
بحثَ يومًا مجموعةٌ من الفقهاءِ موضوعَهُ هلْ هُو حرامٌ أمْ لَا؟ فقلتُ فيما أعلمُ من مضارِّهِ على الإنسانِ جسمًا ونفسًا إنَّه يحرمُ بيولوجيًّا وعلميًّا، ولكنْ أنتُم أهلُ الحكمِ الفقهيِّ فأنَا لستُ فقيهًا، قال أحدُ الحاضرِينَ: إنَّه يكيِّفُ الرَّأسَ، ويُذهبُ الطفشَ! قلتُ لهُ: قدْ يكونُ لهُ منافعُ وهميَّةٌ، أو حقيقيَّةٌ، لكنْ من المؤكَّدِ أنَّ مضارَّهَ أكبرُ بكثيرٍ مِن منافعهِ، أوَليسَ اللهُ قالَ عن الخمرةِ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)، ولكنْ اسألُوا الصحَّةَ العالميَّةَ، واسألُوا أطباءَ القلبِ والأوعيةِ الدمويَّةِ والرِّئتَينِ، سيتفقُونَ علَى شهادةٍ واحدةٍ: إنَّه قاتلُ الخلايَا، وكاتمُ الأنفاسِ، مجرمٌ بكلِّ ما تعنيهِ هذهِ الكلمةُ من معنى، وإنَّ مِن التقدُّم الحضاريِّ والفكرِ الاقتصاديِّ والعملِ الإنسانيِّ أنْ يُضيَّقَ على هذَا المجرمِ مادامَ أنْ ثبتتْ إدانتهُ، وأدلَى الشهودُ بشهاداتِهم، فيجبُ على الجهاتِ الرسميَّةِ والمجتمعيَّة، والجميع في العملِ والمنزلِ مواجهتهُ بأساليبَ حضاريَّةٍ.
أتذكر عندما كنت عميداً لشؤون الطلاب، وقام أحد الطلاب في إحدى لقاءات معالي المدير أسامة طيب وقال: يضيق نفسي من الدخان في قاعة الدراسة؛ لأن معي ربواً، فالتفت إليَّ معاليه قائلا: ما رأيك؟ قلت له نعلن أن تكون الجامعة -بإذن الله- «جامعة بلا تدخين»، ووفقنا الله لإيجاد نظام -إلى الانَ- مستمر أكثر من عشرين عاماً لا يسمح بالتدخين في المباني على الإطلاق، وأرجُو من مسؤولِي الجامعةِ دعمَ هذَا المشروعِ واستمرارِهِ وكذَا أنْ تتبنَاهُ جميعُ الجهاتِ؛ لأنَّه إحدَى الوسائلِ التِي تلاحقُ المجرمَ الذِي يقتلُ الخلايَا، ويكتمُ الأنفاسَ، وإنَّه الحدُّ الأدنَى من الواجبِ الوطنيِّ تجاهَ المجرمِينَ.