أتناولُ بعضًا من آراءِ الطَّبيبِ وعالِمِ النَّفسِ (سيغموند فرويد)، والتِي مهَّدتِ الطريقَ لتحليلِ جوانبَ مِن النَّفسِ البشريَّةِ واضطراباتِهَا وعُقدِهَا. فمثلًا، يرَى (فرويد) أنَّ مبدأَ «اللذَّةِ» سببٌ لكثيرٍ من مُمارساتِنَا الدِّينيةِ.. أي ترقُّبُ اللَّذة اللَّاحقةِ عن طريقِ التضحيةِ بِلذَّةٍ مُمكنةٍ حاليَّةٍ، لدرجةٍ قدْ تصلُ حدَّ «العُصابِ» والوَسواسِ القهريِّ نتيجةَ الإدمانِ السُّلوكيِّ عليهَا، والشعورِ باللَّذَّةِ التِي يوفِّرها إثارةُ مركزِ المُكافأةِ في المُخِّ. يقولُ (فرويد): «مَا مِن إنسانٍ قادرٌ علَى رفضِ المُتعةِ.. حتَّى الدِّياناتِ عندمَا تطلبُ منكَ الامتناعَ عن المُتعةِ، فإنَّها تعِدكَ بمُتعٍ أكبرَ وأفضلَ في عالمٍ آخَر».
وبحسْبِ (فرويد)، فالبشرُ يميلونَ للاعتداءِ والاستيلاءِ بطبيعتِهم، والغريزةُ العُدوانيةُ لديهِم تتفوَّقُ عادةً على العقلِ، وهو يتَّفقُ مع القولِ بأنَّ الإنسانَ ذئبٌ بشريٌّ، فيقولُ: «لا فائدةَ مِن مُحاولةِ التخلُّصِ مِن ميولِ النَّاسِ العُدوانيَّةِ. إنَّ تلكَ الميولَ تشكِّلُ الجوهرَ العميقَ للطبيعةِ الإنسانيَّةِ التي تهدفُ إلى إشباعِ الحاجاتِ والغرائزِ الأوَّليَّةِ. إنَّ صِراعاتِ المَصالِحِ بينَ النَّاسِ يتمُّ تسويتُها بالعُنفِ».
وفي السِّياقِ نفسِهِ، يرَى (فرويد) أنَّ ألَمَ الشَّقاءِ الذِي يأتينَا مِن عَلاقاتِنَا بالآخرِينَ، ألمٌ أشدُّ وطأةً مِن الأمراضِ وأخطارِ العالَمِ، وهو شقاءٌ مُقدَّرٌ علينَا وليسَ في وسعِنَا تجنُّبهُ.. لذلكَ تجدهُ يُقرِّر أنَّ العُزلةَ وتجنُّبَ الاختلاطِ بالنَّاسِ قدْر الإمكانِ، مِن أجودِ الطُّرقِ للحصولِ على راحةِ البالِ وتجنُّبِ الألَم.
كمَا يؤكِّد (فرويد) علَى أنَّ مَا يجعلَ الحياةَ الاجتماعيَّةَ مُمكنةً، هو كبتُنَا لعددٍ مِن المَشاعرِ والرَّغباتِ والأفعالِ، وهي أمورٌ نخفيهَا حتَّى عن أنفسِنَا في اللَّاوعيِّ، ولا نسمحُ لهَا بالظُّهورِ لأنَّها خطيرةٌ أو مُخجِلةٌ، لكنَّه ينبِّهُ على أنَّها قابعةٌ في أعماقِ النَّفسِ، وستظهرُ لاحقًا بِطُرقٍ بشعةٍ!. لذلكَ يَعتبرُ أحلامَ المَنامِ رُموزًا تعبيريَّةً عن اللَّاوعيٍّ، وتنفيسًا عن الكبْتِ بأنواعِه، ومنهُ الجِنسيُّ، إذْ يقولُ: «كُلُّ إنسانٍ يتَّخذُ لنفسِهِ في أحلامِهِ من السُّلوكِ ما يُوافِقُ طبعَهُ.. والنَّومُ يخلعُ عنَّا قناعَ التصنُّعِ والرِّياءِ، فتبدُو حقيقتُنَا الباطنةُ علَى مَا هِي عليهِ.. ففِي الأحلامِ، تبوحُ لنَا الذَّاتُ ببعضِ أسرارِهَا».
وأختمُ بالحُبِّ، فهُو كمَا يَرَى (فرويد)، يجعلُ أجهزتَنَا المَناعيَّةِ في أضعفِ حالاتِهَا، لكنَّه يُعلِّقُ على انتحارِ الرسَّامِ الهُولنديِّ الشَّهيرِ (فان جوخ) بقولِهِ: «كانَ مِن المُمكنِ أنْ يعيشَ أكثرَ، لو أنَّه وَجدَ الحُبَّ، وحصلَ على حُضنِ امرأةٍ يَحتويهُ»!.