جغرافيَّةُ المملكةِ وطبيعتهَا حتَّمتْ أنْ تكونَ أوَّلَ دولةٍ لديهَا مَا يقاربُ ربعَ مَا في العالمِ من محطَّاتٍ لإنتاجِ المياهِ المحلَّاةِ؛ بسببِ شُحِّ المياهِ الطبيعيَّةِ، والتزايدِ الكبيرِ في عددِ السكَّانِ ومتطلَّباتِ الزراعةِ والصناعةِ، فضلًا عن الهدرِ في الأنظمةِ والاستعمالِ التِي استوجبتْ إيجادُ بدائلَ التحليَّةِ التِي تعدُّ مكلِّفةً، وتحتاجُ إلى إعادةِ النَّظرِ، والتركيزِ على البحثِ لإيجادِ حلولٍ مخفَّضةٍ، فضلًا عن نقلِ التقنيةِ مع الشركاتِ الصانعةِ، وإيجادِ صناعةٍ محليَّةٍ تُعنَى بقِطعِ الغيارِ، والتَّضامنِ بينَ المؤسسةِ العامَّةِ لتحليةِ المياهِ والقطاعِ الخاصِّ لخفضِ التكاليفِ.
وأمامنَا خيارانِ كذلكَ في معادلةِ المياهِ ومواردهَا، أولهمَا: المياهُ المستعملةُ للصرفِ الصحيِّ والمستخدمةُ في الصناعةِ والرَّي، والآخرُ: المياهُ الجوفيةُ والاستفادةُ المُثلى من مياهِ الأمطارِ والسدودِ.
معظمُ الأنظمةِ العالميَّةِ معدَّلُ التسرُّبِ فيهَا يقاربُ 30%، بينمَا أنظمتنَا يزيدُ معدَّلُ التسرُّبِ فيهَا عن 50%، ويصلُ في بعضِ الأماكنِ إلى ما يقربُ من 90%، وهُو مؤشرٌ خطيرٌ؛ بسببِ التكلفةِ العاليةِ التِي ندفعهَا للحصولِ علَى هذهِ المياهِ.
هناكَ أيضًا مسؤوليَّةٌ ضخمةٌ تقعُ على عاتقِ كلِّ مواطنٍ، ودرجةِ وعيهِ لتفهُّم خطورةِ الوضعِ والترشيدِ (وهو مطلبٌ وطنيٌّ بالغُ الأهميَّةِ).
في الكتابِ الذِي صدرَ حديثًا في عامِ 1445هـ لسموِّ الأميرِ فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود، بعنوانِ: (حروف على دفترِ الوطنِ)، استوقفنِي مقالهُ في صفحةِ 57 بعنوان: (الموارد المائيَّة)، والذِي نُشرَ في صحيفةِ عكاظ عامَ 1420هـ، بثَّ فيهِ همومَه عن المواردِ المائيَّةِ في بلادنَا، ومعاناتنَا عبرَ عدَّةِ عقودٍ من ضعفهَا، مستشهدًا بالآيةِ الكريمةِ: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»، ثمَّ زيارتهُ لمركزِ أبحاثِ المياهِ بجامعةِ الملكِ عبدالعزيز، واطِّلاعه على الكثيرِ من المعلوماتِ، وتوقُّفه أمامَ المعلومةِ المتعلِّقةِ بالهدرِ، والتِي أشرتُ إليهَا آنفًا؛ لإيجادِ حلولٍ لاستعمالِ المياهِ بمَا يُوفِّر ويحفظُ المخزونَ بأساليبَ حديثةٍ وأنظمةٍ تُوفِّر ذلكَ الهدرَ المرعبَ، خاصَّةً أنَّ بلادنَا ليستْ ضمنَ الدولِ التِي تحصلُ على مياههَا من مصادرَ كالأنهارِ والبحيراتِ وغيرهَا.
في الوقتِ الذِي أشاركُ سموَّ الأميرَ فيصل هذَا الهمَّ كلَّما يُقبِلُ علينَا موسمُ الصَّيفِ، وموقفنَا تجاهَ شُحِّ المياهِ الذي يكتنفُ بلادنَا، ومسؤوليتنَا كأفرادٍ تجاههُ.
وفي هذَا السِّياقِ أذكرُ مبادرةً أقدمتْ عليهَا عمادةُ خدمةِ المجتمعِ بجامعةِ أُمِّ القُرى عامَ 1420هـ؛ من خلالِ إعلاناتٍ توعويَّةٍ مدفوعةِ الثَّمنِ (أسبوعيَّة) في صحيفةِ الرياض الأكثرِ توزيعًا وانتشارًا على مستوَى المملكةِ -آنذاك- والتِي استمرَّت طوالَ أشهرِ الصيفِ، ولم تتوقفْ إلَّا بعدَ تدخُّل إحدَى الجهاتِ بحجَّةِ أنَّ هذَا العملَ ليسَ من اختصاصِ جامعةِ أُمِّ القُرَى. وسأعرضُ فيمَا بعد التوجيهَ الذِي صدرَ حديثًا من قِبلِ وزيرِ التعليمِ الذِي يطلبُ من الجامعاتِ تفعيلَ دورهَا بقوَّةٍ في المسؤوليَّةِ الاجتماعيَّةِ، وهُو نفسُ مضمونِ خدمةِ المجتمعِ، وسيكونُ لنَا وقفةٌ مع هذَا التوجُّهِ الجميلِ الذِي يُعدُّ ركنًا أساسًا من وظائفِ الجامعاتِ.