على مقربة من الكعبة المعظمة، وفوق جبل (أبي قبيس)، حيث صدع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة أول مرة؛ هنا التقى شرف الزمان والمكان، هنا بيت الله الحرام، حيث زمزم، والحجر، والمقام، فترى الجميع يطوفون حول الكعبة المشرفة، يرجون رحمةً من الله ورضوانا.
قال تعالى في كتابه الكريم: «يأتوك رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍ عميق»، استجابةً لأمر ربهم خاضعون، ومن عظمته خاشعون، آتين من كل فجٍ عميق إرضاءً وتلبية لنداء رب البيت العتيق.
إنه أمرٌ رباني ونداءٌ إلهي أمر به خليل الله إبراهيم -عليه السلام- وجاء القرآن الكريم بأحكامه، وأرسى النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- قواعده، فأصبحت شعيرة فُرِضَت على المسلمين، إنه الحج للبيت الأمين!.
إن الطواف بالبيت الحرام عبادة عظيمة، من أجمل العبادات وأشرفها، وأعظمها وأجلها، جاءت بفضله الآثار، ونقلت فيه بين الناس الأخبار؛ لما فيه من تعظيم رب البيت الحرام، وإقامة لذكره تعالى، وهو أحد أهم أنساك الحج والعمرة؛ بل ركن فيهما، فلا يصح الحج أو العمرة إلا بالطواف بالبيت العتيق.
إن المطاف الذي يقضي فيه ضيوف الرحمن نسكهم؛ لم يكن يتسع إلا لاثنين وخمسين ألف طائف في الساعة فحسب، فلما أذن الله لهذه البلاد المباركة - المملكة العربية السعودية - بالقيام بتوسعة المطاف الشريف، زادت المساحات، وهُيّئت أماكن للطواف في كل دور من أدوار الحرم المكي مرتبطةً بالمسعى، وأصبحت مساحات الطواف تتسع لمئةٍ وسبعة آلاف طائف في الساعة الواحدة ولله الحمد والمنة.
فأيُّ سعةٍ وراحةٍ لضيوف الرحمن كانت بلادنا الحبيبة سبباً فيها، وأيُّ منقبةٍ ستحفظها مكة المكرمة لحكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين - حفظهما الله- ما بقيت وبقي أهلها وزوارها وحجاجها وعمّارها.
إن قيام المملكة العربية السعودية بشؤون الحرمين الشريفين هو رسالة وجود، وهوية كيان، وعنوان التزام وانتماء، ولذلك لا تجد موقفاً فيه خدمةً للحرمين الشريفين، ونفعُ لضيوف الرحمن إلا وقفت فيه المملكة موقفاً مشرفاً، يملأُ بالفخر الصدور، ويُخلّده التاريخ بأحرفٍ من نور.
ولا عجب وقد اختصها المولى - عز وجل- كرماً وفضلاً منه - سبحانه- بالقيام على شؤون هذه المدينة المقدسة مكة المكرمة، المدينة التي لا يُمكن لأركان الإسلام الخمسة أن تجتمع إلا فيها! يَسَعُكَ أن تشهد وأن تصلي وأن تصوم وأن تُزكِّي، حيث شئت وأينما كنت، ولكن أنَّى لك أن تضيف إلى كل هذا الحج للبيت إذا لم تكن في مكة؟!.
قال «ابن رشيد البغدادي» في قصيدته بعنوان: «الحجة المكية والزورة المحمدية»:
نحجُ لبيتٍ حَجَّه الرسل قبلنا
لنشهد نفعاً في الكتاب وُعِدناهُ
فلا حج إلا أن يكون بأرضها
وقوف وذلك في الصحاح رويناهُ!