قبل أنْ أشرع في وصف ما وقعت عليه عيناي، وسجَّلته في حينه من أوصاف الطَّريق، أحبُّ أنْ أُشير إلى أنَّ بعض المؤرِّخين يعدُّ هذا الطَّريق أحد أهم طُرق القوافل التي كانت تربط جنوب الجزيرة العربيَّة بشمالها وشرقها، وهذا الطَّريق بالمناسبة يمتدُّ من بلاد البخور جنوب غرب عُمان، وشمال شرق حضرموت، وموانئ السَّواحل الجنوبيَّة للجزيرة كعدن، والمكلَّا؛ مرورًا بمدن جنوب الجزيرة كشبوة ومأرب ونجران، ثمَّ يمتدُّ شمالًا مرورًا بشرق الباحة -الذي وقفنا على بعض من أجزائه- مرورًا بسوق عكاظ، ثمَّ مكَّة المكرَّمة.
ويذكر كتاب (كنوز غامد وزهران) أنَّ الطَّريق يعود إلى قِدم الحضارة اليمنيَّة، وإلى بدء قوافل الجِمال التي أصبحت شائعةً في الجزيرة العربيَّة، وقد مرَّت منه الحملة الرومانيَّة في عهد الإمبراطور أغوسطس الموجَّهة لتدمير مدينة مأرب، بمساعدة من مملكة الأنباط، الذين زوَّدوا الجيش الرومانيَّ بمزيدٍ من الجنود، وعيَّنُوا أحد الوزراء النبطيِّين مرشدًا للحملة. ويضيف لذلك فإننَّي أرجِّح أنَّ تاريخ بناء الطَّريق، وتهذيبه، ورصفه، وجعله بالوضع النِّهائيِّ الذي نشاهد حاليًّا بقاياه يعود لقبل ذلك بكثير.
إنَّ طريق الفيل يقع شمال محافظة العقيق، ويتكوَّن الطَّريق من ركامات من الحجر، مبنيَّة بشكل منبسط. وللطَّريق حوافٌّ من الجانبين من الصُّخور، ويبلغ عرض الطَّريق الواضح ما بين 4-5م، وهناك ميول يلحظه المشاهد بدرجات متساوية؛ لتسهيل عمليَّة صعود ونزول العربات، الشَّيء اللافت في الطَّريق أنَّ هناك فواصلَ من الحجارة الصُّلبة بين مسافة وأُخْرى، وذلك لحماية الطَّريق من عوامل التَّعرية، وتلحظ في الطَّريق أنَّه معمول بصورة احترافيَّة، حيث إنَّ الأحجار المستخدمة في رصفه ذات استواء عجيب بطريقة منتظمة، ناهيك عن الأحجار الصَّغيرة، والصَّغيرة جدًّا، وذلك لسدِّ الفراغات بينها وبين الأحجار الكبيرة، حتَّى يصبح الطَّريق صالحًا لمرور العربات بكلِّ يسر وسهولة.
وممَّا يزيد من حرفيَّة صانِعي الطَّريق أنَّك تلمح وجود «مردَّات» من الصُّخور الصُّلبة وهي باقية على ما هي عليه في المواقع التي وقفتُ عليها، تخترق الطَّريق عرضًا بين كلِّ مسافة وأُخْرَى، ويبدو أنَّ هذه الطَّريقة عُملت لمنع انزلاق العربات.
ويقول الدكتور علي السبالي -وهو مهتم بالجوانب الأثريَّة- حال اتِّصالي به: (طريق الفيل هو في الأصل طريق التِّجارة، ويبدأ من صعدة في اليمن، إلى مكَّة المكرَّمة، ويمرُّ بعدَّة محطَّات، وهو طريق مرصوف بالحجارة، وفي كلِّ جزءين منه حجر ميلي يحدِّد المسافة بين كلِّ محطة وأُخْرَى، ومن أفضل الأجزاء الموجودة، توجد في الباحة، وفي منطقة «جرب»، و«كرا الحائط» تحديدًا، وهذا الطَّريق تعرَّض إلى الكثير من الاعتداءات في بعض المواقع، وجُرفت بعض المواقع منه من قِبل بعض المواطنين، ويعود الاعتداء من قِبل بعض السكَّان المزارعين لجلب حزمة برسيم، أو شعير، أو حزمة علف، دون معرفة القيمة التَّاريخيَّة والتُّراثيَّة، وأنَّها ثروة وطنيَّة يجب المحافظة عليها).