الكثيرُ من السُّننِ الكونيَّةِ التِي ضمَّنهَا الخالقُ -سبحانَهُ وتعالَى- مخلوقاتِهِ تحملُ في طيَّاتِهَا الكثيرَ مِن الأسرارِ التِي تنتظرُ مَن يسبرُ أغوارَهَا، ويكتشفهَا لتنموَ معهَا الحياةُ وتتطوَّر، وهذَا مَا فطنتْ إليهِ الدولُ المتقدِّمةُ فأنتجت الكثيرَ من المعارفِ التِي ننعمُ اليومَ باستخدامِهَا في مختلفِ المناحِي الحياتيَّةِ، ولعلَّ مِن تلكَ الأسرارِ مَا يحملهُ قولُ اللهِ تعالَى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، فمكوِّن الإنسانِ الجسديِّ بمَا يحتويه من عمليَّاتٍ متنوِّعةٍ لا يحصيهَا إلَّا اللهُ -سبحانَهُ وتعالَى- قدْ تُفضِي بنَا -في مجموعِها أو بعضِها- إلى مخترعاتٍ تخدمُ البشريَّةَ. فعلَى سبيلِ المثالِ لَا الحصرِ لوْ اطَّلعنَا على العمليَّاتِ التِي يقومُ بهَا جهازُ الكمبيوتر لوجدنَاهَا مأخوذةً تمامًا مِن عمليَّاتِ العقلِ مثلَ العقلِ الباطن كالهاردسك والعقل الظاهر كالكاش مومري والرسائلِ الكهرومغناطيسيَّة كالرسائلِ التِي يرسلهَا العقلُ والكيبوردُ كاليَدينِ وحركةِ الأطرافِ وهكذَا بقيَّةِ العملياتِ.
وفي جانب آخر مشابه، أجد أن مكونات الجسد الواحد للإنسان بما يحتويه من عمليات متنوعة وأدوار مخصصة يقوم بها كل عضو على حدة، تشبه تماماً مكونات المجتمع، حيث يمثل العقل الدور الذي تقوم بها القيادة، ويمثل القلب الدستور، أو الأنظمة للدولة التي تحركها الدورة الدموية إلى سائر أعضاء الجسد، وكذلك الجوارح (أعضاء الجسم) تتمثل في المؤسسات التي يتولى كل منها عملا مخصصاً يختلف في طبيعته عن عمل الأعضاء الأخرى. لكنَّها -مجتمعةً- تعملُ لتحقيقِ هدفٍ واحدٍ، وهُو النموُّ الصحيُّ، وعدمُ التلفِ لعضوٍّ منهُ، ثمَّ نجدُ أنَّ العملياتِ التِي تقومُ بهَا الحواسُّ مَن سمعٍ، وبصرٍ، ولمسٍ، وشمٍّ، ومكوِّناتِ الدَّمِ بصورتِهِ الشَّاملةِ، نجدهَا تتمثَّلُ في الأجهزةِ الأمنيَّةِ والحربيَّةِ الدفاعيَّةِ التِي تحمِي الوطنَ من كافَّةِ مَن يعبثُ بهِ، كمَا هُو حالُ مقاومةِ الفيروساتِ والأمراضِ، وصدقَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- حينَ قالَ فِيِ الحديثِ الذِي رواهُ النُّعمانُ بن بشير -رضي اللهُ عنهمَا- قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-: «مَثَلُ المُؤمِنِينَ فِي تَوادِّهِم وَتَراحُمِهِم وَتَعَاطُفِهِم مَثلُ الجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضوٌّ تَدَاعَى لَهُ سَائرُ الجَسَدِ بِالسَّهرِ وَالحُمَّى».. واللهُ من وراءِ القَصدِ.