بدأتْ فكرةُ زواجِ المسيارِ اجتماعيَّةً، ولأهدافٍ إنسانيَّةٍ، حيثُ كانت البنتُ التِي ترفضُ الزَّواجَ؛ بسببِ قيامِهَا علَى خدمةِ أبويهَا -أحدِهمَا أو كليهِمَا- يتحتَّمُ عليهَا العيشُ معهُم وعدمُ مغادرتِهِم، فكانَ مَن يخطبهَا يُشترط عليهِ أنْ تبقَى البنتُ معهمَا، ويسيرُ الزَّوجُ عليهَا عندَ أهلِهَا ليلًا أو نهارًا، ولَا تشترطُ عليهِ أيَّ شرطٍ سِوَى أنَّها تبقَى عندَ والديهَا، فيمكن أنْ تنجبَ منهُ أطفالًا، أو لا تُنجب، وينفقُ عليهَا ويعرفُ عندَ أهلِهَا بأنَّه زوجُهَا، ولَا يمكنُ أنْ يتَّصفَ بأيِّ أنواعِ السريَّةِ معَ العقدِ عليهَا بوجودِ مأذونٍ شرعيٍّ، وشهودٍ، ولفيفٍ مِن أهلِهَا، وأصحابِهِ، ويُقيَّدُ ذلكَ فِي الجهاتِ الرسميَّةِ.
في حقيقته زواج عادي، ما عدا أن الزوجة تبقى في بيت أبويها، ويسير عليها زوجها، وللأسف تطور مفهوم زواج المسيار ليصبح عند البعض صحيح العقد، فاسد الأهداف، بعيداً عن وصفه مكتمل شروط السنة النبوية للزواج، فهو سري للغاية، ولا يعلم عنه إلا الزوجان والشهود، ويتم بدون مأذون شرعي، ولا يسجل في النظام، أي أنَّه اتِّفاقٌ شفهيٌّ، والعقدُ والشهودُ لا يعرفهُم إلَّا الزَّوجان، ويترتَّبُ علَى ذلكَ أنَّ القضايَا الشرعيَّةَ المترتبةَ لَا تتمُّ مثل حقِّ أحدهِمَا فِي الورثِ، وتسجيلِ الأبناءِ فِي السجلِّ المدنيِّ، وأيِّ أحكامٍ شرعيَّةٍ متعلِّقةٍ بالزَّواجِ لَا تُنفَّذ لدَى المحكمةِ؛ لكونِ ليسَ هناكَ زوجةٌ رسميَّةٌ، ولا زواجٌ رسميٌّ.
وفِي لقاءٍ ناقشتُ معهُ بعضَ أصدقائِي عَن موضوعِ المسيارِ، كانَ النقاشُ يتأرجحُ بينَ مؤيِّدٍ ومُعارضٍ، وكنتُ أمثِّلُ جانبَ مَن يعارضهُ، فقلتُ: إنَّه لقاءٌ هرمونيٌّ فقطْ، وهُو بهذهِ الطَّريقةِ قدْ يفتحُ بابًا لمَن أنفسهنَّ ضعيفةٌ، ويلعبُ بهنَّ الهوَى والشَّيطانُ، أنْ تُكرِّرَ المسيارَ معَ آخرَ، إذَا غابَ عنهَا المسيارُ الأوَّلُ مدَّةً طويلةً، كمَا أنَّهُ يفتحُ بابَ الزَّواجِ بغيرِ المسلماتِ ممَّن لَا تلتزمُ بالعقدِ الشرعيِّ، فتعتبرُ زوجهَا صداقةً كالعشيقِ، وهُو بالتَّالي محلُّ شبهةِ أنْ ينتجَ عنهُ مرضُ الإيدز، وبعضُ النِّساءِ ممَّن يحملنَ فيروسَ الإيدزِ تضمرُ الانتقامَ، وتتَّخذُ مِن نشرِ الفيروسِ وسيلةً لتحقيقِ مَا تضمُّه مِن شَرٍّ، وقلتُ لأحدِ الأصدقاءِ ممَّن يعضِّدُ زواجَ المسيارِ: أترضَاهُ لبنتِكَ أو أختِكَ؟ قال أحدُ الحضورِ: هذَا السُّؤالُ هُو ممَّا يتعذَّرُ بهِ دائمًا، قلتُ: عندمَا جاءَ رجلٌ إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يستأذنُه فِي الزِّنَا، قالَ لهُ: أترضَاهُ لأُمِّكَ.. لأختِكَ.. لعمَّتِكَ.. لخالتِكَ؟ وكلُّ ذلكَ يقولُ: لَا، قالَ -عليه الصَّلاةُ السَّلامُ- وكذلكَ النَّاسُ لا ترضَاهُ لأهلِهَا، فإذَا كانَ الإنسانُ لَا يرضَاهُ كزواجٍ مسيارٍ لابنتِهِ، ولا أختِهِ، فمِن بابِ أوْلَى لَا يَرضَى أنْ يُطبِّقَهُ، فهلْ ترضَى المسياريَّةُ، إذَا ماتَ عنهَا زوجُهَا المسياريُّ لا يطالهَا شيءٌ مِن ورثِهِ، أو إذَا أنجبتْ لَا يُسجَّلُ اسمُ ابنِهَا رسميًّا باسمِ أبيهِ؟ قدْ يكونُ المخرجُ لتطبيقِ المسيارِ هُو أنْ يُكتبَ ويُدوَّن بشهودٍ، أو فِي الوصيَّةِ؛ لحفظِ الحقوقِ، والأحوطُ أنْ تكونَ المسياريَّةُ فوقَ الأربعِينَ لَا تُنجبُ.
إنَّ زواجَ المسيارِ بدأَ ونشأَ بطريقةٍ صحيحةٍ، وهُو أنْ يأتِي الزَّوجُ زوجتَهُ عندَ أهلِهَا، بمعرفةِ كلِّ أهلِهَا، ويُسجَّلُ رسميًّا، فعندَ تغيُّرِ الهدفِ تعدَّدت الأسماءُ والشبهةُ حولَهُ واحدةٌ، إنَّه زواجٌ هرمونيٌّ يحقِّقُ النَّزوةَ والشَّهوةَ، وقضاءَ الوطرِ، وهُو أنواعٌ، منهُ الليليُّ والنهاريُّ، ومنهُ المطيارُ، والمسفارُ، ومنهُ العصريُّ، ومنهُ المغربيُّ (أي بعدَ صلاةِ المغربِ).