خلالَ صلاةِ الجمعةِ الفائتةِ، وفِي مسجدِ الفلاحِ بحيِ الفيصليَّةِ بجدَّة، سقطَ أحدُ المُصلِّينَ مُغْمًى عليهِ، والحمدُ للهِ أنَّ إمامَ المسجدِ انتبهَ للسُّقوطِ، فخفَّفَ مِن الصَّلاةِ، وطلبَ مِن البعضِ الاتِّصالَ هاتفيًّا بالإسعافِ التَّابعِ لهيئةِ الهلالِ الأحمرِ السعوديِّ، للقدومِ إلى المسجدِ، ومحاولةِ إسعافِ المُصلِّي، فِي ظهيرةٍ جدَّاويَّةٍ حارَّةٍ تُنبئُ -بلَا ريبٍ- عَن دخولِ صيفٍ ساخنٍ لا برادَ فيهِ، ولا نسائمَ هواءٍ عليلة علَى الإطلاقِ.
ومِن تعابيرِ وجهِ المُصلِّي بدَا بحاجةٍ شديدةٍ للإسعافِ، وسألتُ نفسِي: هلْ يتمكَّنُ الإسعافُ مِن القدومِ بسرعةٍ هِي العاملُ الأهمُّ في محاولاتِ الإنقاذِ؟ بلْ أصلًا هلْ هناكَ فِي هذَا الوقتِ رجالُ إسعافٍ سعوديُّونَ مُناوبُونَ يرهنُونَ أنفسَهُم سريعًا لعملِ الواجبِ الإنسانيِّ؟ والمُصلِّي قدْ يكونُ ضحيَّةَ نوبةِ ارتفاعِ أو انخفاضِ سكَّر تحتاجُ لتدخُّلٍ سريعٍ قبلَ حصولِ غيبوبةٍ خطيرةٍ تُودي للوفاةِ -لا قدَّر اللهُ-.
أنَا كُنتُ فِي الطَّابقِ الثَّانِي للمسجدِ، والمُصلِّي فِي الطَّابقِ الأوَّلِ، والمسجدُ مزدحمٌ وممتلئٌ، وتجمَّعَ الكثيرُ حولَ المُصلِّي ثمَّ تفرَّقُوا بأمرٍ مِن الإمامِ؛ كَي يتنفَّسَ المسكينُ، ولأنَّهُ لَا حيلةَ لِي صلَّيْتُ السُّنَّةَ وشرَعْتُ فِي نزولِ السَّلالِمِ للخروجِ مِن المسجدِ، وكلُّ ذلكَ استغرقَ منِّي حوالَى عشر دقائق، وحالمَا أصبحْتُ فِي الشَّارعِ فُوجئتُ بسيَّارةِ الإسعافِ وقدْ دخلَ رجالُهَا للمسجدِ قبلَهَا، ممَّا يعنِي أنَّ وصولَهُم للمسجدِ مِن مقرِّهِم بعدَ تلقِّيهِم للاتِّصالِ لَا يزيدُ عَن ١٠ دقائقَ فِي أسوأِ الأحوالِ، وكمْ أسعدَنِي وصولُهُم السَّريعُ فِي وقتِ مناسبةٍ دينيَّةٍ يحضرُهَا الجميعُ، وفِي ظهيرةٍ يتوقُ النَّاسُ فيهَا للاستراحةِ بلَا عملٍ مُرهقٍ، ووسطَ زحمةِ جدَّة، فلِلَّهِ درهم، ولِلِه در الهلال الأحمر السعودي، وكلُّهم معَ سائقِ عربةِ الإسعافِ مواطنُونَ نذرُوا أنفسَهُم لخدمةِ المواطنِ والمقيمِ.
وواللهِ، وتاللهِ، وباللهِ، ارتحْتُ نفسيًّا لتوفيرِ الدولةِ لهكذَا خدمةٍ مجَّانيَّةٍ قدْ لا تُوجدُ مثلُ جودتِهَا فِي أكثرِ بلادِ العالمِ تطوُّرًا، وتذكَّرْتُ مقولةَ الأميرِ خالد الفيصل: ارفعْ رأسَكَ فأنتَ سعوديٌّ، ورؤوسُنَا كلُّنَا مرفوعةٌ فِي هذَا البلدِ الأمينِ، عسَاهُ يكونُ أمنًا وأمانًا إلى يومِ الدِّينِ، وشكرًا لهيئةِ الهلالِ الأحمرِ، الذِي هُو أخضرُ بخُضرةِ بلدِ السَّلامِ والتنميةِ والإنجازاتِ المتتاليةِ.