#ناصية
فِي بعضِ دوراتِي، أسألُ الحضورَ مَن مِنكُم مَن يعملُ في القطاعِ الخاصِّ؟ ومَن مِنكُم مَن يعملُ فِي القطاعِ العامِّ؟ ومَن مِنكُم مَن يعملُ عندَ نفسِهِ؟
فيختلفُ العددُ، وتتباينُ الاختياراتُ، وتتنوَّعُ الأيدِي المرفوعةُ بينَ القطاعَينِ الخاصِّ والعامِّ، أو العملِ الحُرِّ معَ النَّفسِ.!
بعدَ الإجابةِ المنوَّعةِ أصدمُ الجميعَ وأقولُ: إِنَّنَا جميعًا نعملُ عندَ أنفسِنَا فقطْ.. وَمَا هذِهِ القطاعاتُ إلَّا أشكالٌ تنظيميَّةٌ لَا أكثرَ.
لقدْ عملتُ فِي أكثرِ من ثلاثِينَ وظيفةً، وفِي كلِّ هذهِ الوظائفِ كنتُ أعملُ عندَ نفسِي، بمعنَى
آخرَ، إنَّ كلَّ وظيفةٍ أتعلَّمُ مِنهَا الخبرةَ، وأستقِي مِنهَا التَّجاربَ وأرحلُ عنهَا،
فتذهبُ الوظيفةُ وتبقَى الخبرةُ التِي تصبُّ فِي مسارِي العمليِّ الشَّخصيِّ. إنَّ الإنسانَ، بغضِّ النَّظرِ عَن الجهةِ التِي يعملُ فيهَا، سواءٌ كانتْ حكوميَّةً أوْ مؤسَّسةً خاصَّةً، هُو فِي النِّهايةِ يعملُ عندَ نفسِهِ؛ لأنَّ الخبراتِ والتَّجاربَ والمعلوماتِ التِي استقَاهَا مِن هذهِ الوظيفةِ، أوْ تلكَ تصبُّ فِي رأسهِ هُو وحدهُ فقطْ، ولقدْ صدقَ المفكِّرُ الإداريُّ الكبيرُ «براين تريسي» حينَ قالَ:
إنَّ أضخمَ خطأٍ يمكنُكَ ارتكابهُ، أنْ تظنَّ أنَّكَ تعملُ لصالحِ أيِّ شخصٍ آخرَ سواكَ علَى الإطلاقِ، فالحقيقةُ هِي أنَّكَ دائمًا وأبدًا تعملُ لحسابِكَ الشَّخصيِّ، مِن الوقتِ الذِي تستلمُ فيهِ وظيفتَكَ الأُولَى حتَّى الوقتِ الذِي تتقاعدُ فيهِ.
بصرفِ النَّظرِ عَن الشَّخصِ الذِي يوقِّعُ كشوفاتِ الرَّاتبِ، فإنَّكَ تعملُ لصالحِكَ الخاصِّ؛ لأنَّكَ رئيسُ شركةِ الخدماتِ الشَّخصيَّةِ المساهمةِ، والتِي بهَا موظَّفٌ واحدٌ فقطْ، هُو أنتَ نفسُكَ، وعلَى المدَى البعيدِ، ونتيجةً للأمورِ التِي تنجحُ أوْ تفشلُ فِي القيامِ بِهَا، فإنَّكَ تُحدِّدُ مقدارَ مَا تجنِيه.
أمَّا إذَا أردتَ أنْ تزيدَ راتبَكَ، فإنَّ بوسعِكَ الذهابَ لأقرب مرآةٍ للتَّفاوضِ معَ رئيسِكَ الخاصِّ..!
إنَّ الخبرةَ التِي خرجتَ بهَا مِن كلِّ الوظائفِ انصبتْ فِي رأسِكَ..
وإنَّ المالَ الذِي حصلتَ عليهِ مِن الوظيفةِ أطعمتْ بهِ جسدَكَ، وصرفتَهُ فِي شؤونِ حياتِكَ.. لذلكَ «أنتَ تعملُ عندَ نفسِكَ، ولصالحِ نفسِكَ»!
وأخيرًا، لقدْ أمرَنَا الإسلامُ بالإتقانِ فِي كلِّ عملٍ نقومُ بهِ.. لماذَا؟
لأنَّنَا نعملُ عندَ أنفسِنَا ولأنفسِنَا.. ومَا نقدِّمهُ لأنفسِنَا مِن خيرٍ نجدهُ فِي الدُّنيَا والآخرةِ..
والجزاءُ مِن جنسِ العملِ.
لقولِهِ تعالَى: «مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ».
#كيف_تُحسِّن_حظوظَكَ؟
#العملُ_عندَ_نفسِي.