فِي الشِّعر العربيِّ -بلا شكٍّ- هناكَ بحورٌ متعارَفٌ عليهَا، تمتدُّ مِن العصرِ الجاهليِّ.
ولكنْ، معَ التغيُّرِ والتَّجديدِ نشأتْ مدارسُ شعريَّةٌ جديدةٌ، وحدثَ حِراكٌ أدبيٌّ كبيرٌ، كانَ مِن رموزِهِ الشُّعراءُ: «صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطي حجازي»، واللَّذان تصدَّيَا للأديبِ «عباس العقاد»، الذِي كانَ يرفضُ الشِّعرَ غيرَ القائمِ علَى أُسسِ البحورِ والأوزانِ التَّاريخيَّةِ، وباختصارٍ كانَ يرفضُ شِعرَ التَّفعيلةِ.
رغمَ الخلافِ الحادِّ بينَ الطَّرفَينِ، إلَّا أنَّهمَا أثريَا المشهدَ بآراءَ وتجاربَ جميلةٍ، هِي اليوم تاريخٌ نحفلُ ونحتفِي بهِ.
اليوم، قدْ نجدُ مَن يرَى أنَّ «العقَّادَ» كانَ مُحقًّا فِي نظرتِهِ تجاهَ شِعرِ التَّفعيلةِ، لكنَّنِي علَى المستوَى الشَّخصيِّ، أرفضُ هذَا الشيءَ؛ لأنَّ أعذبَ القصائدِ التِي تسلَّلتْ إلى قلبِي كانتْ نتاجَ شعرِ التَّفعيلةِ، وهذَا لَا يُلغِي حُبِّي لقصائدَ مُقفَّاةٍ، لكنَّ الذَّائقةَ تختارُ مَا يُلامسُ الرُّوحَ ويُلبِّي الشَّغفَ.
«الرَّسايل»، قصيدةُ تفعيلةٍ للرَّاحلِ الأميرِ بدر بن عبدالمحسن -رحمه الله- «فوق هام السُحب»، وأوبريتُ «الله البادي» كذلكَ. كيفَ لِي أنْ أتجاوزَ هذَا الجَمَالَ الأخَّاذَ؟!
الأميرُ سعود بن عبدالله، كتبَ الرَّائعةَ الخالدةَ فِي ذاكرتِنَا كسعوديِّينَ، وَهِي أوبريت «مولد أُمَّة»، وهِي خارجُ نطاقِ بحورِ الشِّعرِ الجاهليَّةِ، ومعَ ذلكَ غُرستْ فِي أرواحِنَا.
الأميرُ خالد بن يزيد -رحمه الله- كتبَ «ليلة خميس»، مَن منَّا يتجاوزُ جَمَالَهَا وسحرَهَا وأناقتَهَا وصناعتَهَا لقصصِ حُبٍّ كبيرةٍ فِي قلوبِنَا؟!
الجَمَالُ أيًّا كانَ منبعهُ سيبقَى جَمَالًا، والكلمةُ العذبةُ بكُلِّ لُغاتِ الدُّنيَا هِي الوحيدةُ القادرةُ علَى التَّسلُّلِ للقلبِ. والإنسانُ فِي هذهِ الحياةِ، منحَهُ اللهُ قُدرةً علَى قولِ الكلماتِ الجميلةِ، أيًّا كانَ جنسهُ ومذهبهُ.