عندمَا خرجَ المنتخبُ البرتغاليُّ لكرةِ القدمِ خاليَ الوفاضِ وصِفْرَ اليدَيْنِ مِن بطولةِ كأسِ العالمِ، التِي أُقيمتْ فِي قطر فِي عام ٢٠٢٢م، بكَى رونالدو وهُو يعبرُ نفقَ خروجِ اللاعبِينَ مِن الملعبِ، وكانَ بكاءً عاديًّا، قدْ يُصيبُ أيَّ لاعبٍ خاسرٍ فِي كرةِ القدمِ!.
لكنَّ بكاءَهُ بعدَ هزيمةِ النَّصرِ أمامَ الهلالِ بركلاتِ التَّرجيحِ فِي نهائيِّ كأسِ الملكِ -يحفظهُ اللهُ- كانَ بكاءً شديدًا غيرَ عاديٍّ علَى الإطلاقِ، وكأنَّهُ بُكاءُ فَقْدِ أعزِّ مَا لديهِ، وكأنَّهُ بُكاءُ الطِّفلِ الذِي فَقَدَ أُمَّهُ، فوصفَهُ الشَّاعرُ العربيُّ الكبيرُ إيليا أبو ماضي:
يَبْكِي بُكَاءَ الطِّفْلِ فَارَقَ أُمَّهُ
مَا حِيلَةُ المَحْزُونِ غَيرُ بُكَاءِ؟
والفرقُ بينَ بُكاءِ رونالدو علَى منتخبِ بلادِهِ وبينَهُ علَى هزيمةِ النَّصرِ لَا يعنِي بالطَّبعِ كُرهَهُ لمنتخبِ بلادِهِ بقدرِ مَا يعنِي ارتباطَهُ العاطفيَّ بأحدِ أنديةِ وطنِنَا الذِي انعكسَ علَى حبِّهِ لوطنِنَا فِي المُحصِّلةِ، وهُو معَ أمِّ عيالِهِ يُثنيَانِ دائمًا علَى وطنِنَا الذِي يستحقُّ أكثرَ، فهُو وطنُ الإسلامِ والمروءةِ والوفاءِ.
وقدْ يقولُ قائلٌ إنَّ رونالدو يفعلُ ذلكَ لأجلِ المالِ السعوديِّ، ولهذَا القائلِ وغيرِهِ أقولُ: إنَّ الرَّجلَ قبلَ أنْ يأتينَا ضيفًا عالميًّا شهيرًا، كانَ ثرِّيًّا مِن عقودهِ الكرويَّةِ وإعلاناتِهِ واستثماراتِهِ، ومَا زادَهُ مالُنَا إلَّا ثراءً، وفِي الوقتِ نفسِهِ أضفَى علَى دورينَا شهرةً واسعةً حولَ العالمِ، وحوَّلهُ مِن دوريٍّ مغمورٍ لدوريٍّ مشهورٍ، وهكذَا هِي صناعةُ كرةِ القدمِ، عطاءٌ وأخذٌ فِي مجالاتٍ اقتصاديَّةٍ وسياحيَّةٍ ورياضيَّةٍ.
مِن أجلِ ذلكَ أنتقدُ كلَّ مَن شمِتَ ببكاءِ رونالدو، وأرَاهُ عيبًا لَا يليقُ بمكارمِ أخلاقِنَا التِي اُشْتُهِرْنَا بهَا، لدرجةٍ وصفهَ أحدُ الإعلاميِّينَ بقولٍ شاذٍّ هُو: (جعْل مَا يبكِي غيركَ)، وهذَا مِن التَّعصُّبِ الكرويِّ الممقوتِ الذِي أتمنَّى زوالَهُ مِن ملاعبِنَا للأبدِ، والشَّماتةُ أصلًا مُحرَّمةٌ شرعًا، والشَّامتُ سيُشمتُ بهِ، وكرةُ القدمِ كَرَاسٍ دائريَّةٌ تُتَداولُ بينَ الأنديةِ والمنتخباتِ، فقليلًا مِن التَّقديرِ تجاهَ أفضلِ لاعبِي العالمِ، ولوْ كانَ علَى شفَا الاعتزالِ، ومَا أدرَانَا قدْ يُسلمُ رونالدو؛ بسببِ حبِّهِ لوطنِنَا، وفِي هذَا خيرٌ لهُ عظيمٌ، وأكبرُ دعايةٍ للإسلامِ لاقتداءِ وإعجابِ الملايين بهِ حولَ العالمِ.