Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

(الحج أشهر معلومات)

A A
بعدَ أنْ أكملَ سيدُنَا إبراهيمُ -عليهِ السَّلامُ- ومعهُ ابنُهُ إسماعيلُ -عليهِ السَّلامُ- بناءَ البيتِ، جاءَ الأمرُ مِن اللهِ الحيِّ القيومِ أنْ يُؤذِّنَ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ إلى هذَا البيتِ الحرامِ، وهُنَا بدأَ تلبيةُ النداءِ، وبدأتْ فريضةُ الحجِّ تلبَّى كلَّ عامٍ، إمَّا حجًّا كاملًا بكلِّ مناسكِهِ المتممةِ لهُ، أوْ عُمرةً بمناسكِهَا التِي يُكتفَى فيهَا بالطَّوافِ والسَّعيِ، بالإضافةِ إلَى الإحرامِ فِي كليهِمَا.

وفِي كتابِ اللهِ تعالَى (القرآنِ الكريمِ) حدَّد لتلكَ المناسكِ أوقاتِهَا، فالعُمرةُ مفتوحةُ الأداءِ كلَّ العامِ، أمَّا الحجُّ فهُو مُحدَّدٌ بأربعةِ أشهرٍ المُسمَّاة بالأشهرِ الحرمِ الأربعةِ، كمَا فِي قولهِ تعالَى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)،

وقوله تعالى (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ)، فسببُ تحريمِ تلكَ الأشهرِ الأربعةِ هُو منعُ القتالِ فيهَا؛ لتأمينِ طريقِ الحجَّاجِ -ذهابًا وعودةً- ومنعُ صيدِ البرِّ؛ لأنَّ هذهِ الأشهرَ تُعدُّ مواسمَ توالدِهَا.

وَهُنَا جاءَ الأمرُ إلَى نبيِّهِ وخليلِهِ إبراهيمَ -عليهِ السَّلامُ- أنْ يُؤذِّنَ فِي النَّاسِ بِالحَجِّ فِي قولهِ تعالَى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وبدأتْ رحلاتُ الحجِّ تتوالَى كلَّ عامٍ. وعندمَا أرسلَ اللهُ تعالَى نبيَّنَا محمَّدًا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كانَ عليهِ أنْ يُؤدِّي هذهِ المناسكَ العظيمةَ حتَّى كانَ لهُ ذلكَ مرَّةً واحدةً بعدَ فتحِ مكَّة، وإسلامِ أغلبِ سكَّانِ الجزيرةِ العربيَّةِ، حيثُ كانَ ذلكَ فِي العامِ العاشرِ الهجريِّ فِي اليومِ التَّاسعِ مِن شهرِ ذِي الحجَّةِ، وهُو العامُ الذِي تتابعُ النَّاسُ فِي أداءِ مناسكِ الحجِّ فيهِ، ولوْ تكرَّرَ حجُّ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عامًا آخرَ، فقدْ يكونُ فِي يومٍ آخرَ، أوْ فِي شهرٍ آخرَ مِن الأشهرِ المعلوماتِ، أوْ تأكَّد حصرُ هذَا اليومِ بالحجِّ.

لذا اختلف الكثير من الفقهاء في فترة مناسك الحج، هل هي يوم التاسع، أم هي تجوز في يوم آخر من شهر آخر؟ عكس ما يفسر بذلك بعض الفقهاء، حيث يقولون إن المقصود بالحج في الأشهر المعلومات هي العمرة! والرد على ذلك أن العمرة تكون في كل العام، وليس في الأربعة أشهر، وأيضًا لأن لفظ العمرة ورد منفرداً عن لفظ الحج في عدة آيات، أبرزهِا قول الله تعالَى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ)؛ ولأنَّ الرواياتِ تقولُ إنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عندمَا هلَّ ميقاتُ الحجِّ فِي السنةِ التَّاسعةِ مِن الهجرةِ بعثَ أبَا بكرٍ أميرًا للحجِّ علَى رأسِ ثلاثمئةٍ مِن المسلمِينَ؛ ليقيمَ لهُم حجَّهُم وليؤدُّوا الفريضةَ كمَا نزلَ بهَا القرآنُ الكريمُ. ولعلَّ هذهِ كانتْ أوَّلَ حجَّةٍ للمسلمِينَ فِي الإسلامِ.. واللهُ مِن وراءِ القصدِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة