كثيرٌ من الأفرادِ يقعُ في مشكلاتٍ حياتيَّةٍ مع الأهلِ والأصحابِ والزملاءِ في العملِ، ويلومُ الآخرِينَ على ذلكَ، ولا يلومُ نفسه على اختياراتِهِ، ولا يعرفُ نفسَهُ فعليًّا إلَّا بعدَ فواتِ الآوانِ وضياعِ الفرصِ، فعلَى سبيلِ المثالِ الزَّوجُ والزَّوجةُ يرتبطَانِ بدونِ معرفةِ أنفسهمَا، وتحديدِ أهدافهمَا المشتركةِ، فينتهِي المطافُ بالطَّلاقِ ويدفعُ الثمنَ الأطفالُ.
«اعرفْ نفسكَ»، هذهِ الكلماتُ منسوبةٌ إلى الفيلسوفِ اليونانيِّ سقراط، وهي تحملُ حكمةً عميقةً تتجاوزُ القرونَ، إنَّ فهمَ الذاتِ هُو رحلةُ اكتشافِ الذاتِ، والتأملِ، والنُّمو الشخصيِّ الذي يقعُ في قلبِ الوجودِ الإنسانيِّ.
الوعي الذاتيُّ هو حجرُ الزاويةِ في معرفةِ الذاتِ، وينطوِي على التعرُّفِ على، وفهمِ أفكارِ الفردِ وعواطفهِ ونقاطِ القوةِ والضعفِ والقيمِ والمعتقداتِ، ومن خلالِ تنميةِ الوعي الذَّاتيِّ، يكتسبُ الفردُ رؤى أعمقَ حولَ دوافعهِ وسلوكياتِهِ وتطلُّعاتِهِ، ممَّا يمكِّنهُ من اتِّخاذِ قراراتٍ مستنيرةٍ والتغلُّبِ على تحدِّياتِ الحياةِ بوضوحٍ وهدفٍ.
إنَّ معرفةَ الذاتِ تستلزمُ -أيضًا- اعتناقَ الأصالةِ وقبولَ الذاتِ، إنَّه ينطوِي على الاعترافِ بكلٍّ من جوانبِ الضوءِ والظلِ لشخصيةِ الفردِ واحتضانِ نفسهِ دونَ قيدٍ أو شرطٍ، ومن خلالِ تنميةِ التعاطفِ مع الذاتِ، وحبِّ الذاتِ، يمكنُ للأفرادِ تنمية المرونةِ والسلامِ الداخليِّ مع قبولِ الآخرِ بعيوبهِ، فلا يوجد شخصٌ مثاليٌّ.
اكتشاف الذات هو عملية مستمرة تتكشف من خلال تجارب الحياة والعلاقات والتأملات المختلفة، إنه يتطلب الفضول والانفتاح والرغبةَ في استكشاف أعماق كيان الفرد الداخلي، ومن خلال ممارسات مثل تدوين اليوميات والتأمل واليقظة والعلاج، يمكن للأفراد الشروع في رحلة لاستكشاف الذات وفهم الذات.
إنَّ معرفةَ الذاتِ ليستْ مجرَّد مسعى شخصيٍّ، ولكنَّها أيضًا مفتاحٌ لبناءِ علاقاتٍ واتصالاتٍ هادفةٍ مع الآخرِينَ، فعندمَا يكونُ لدَى الأفرادِ فهمٌ عميقٌ لأنفسِهم، يمكنهم التواصلُ بشكلٍ أصيلٍ، ووضعُ حدودٍ صحيَّةٍ، وتنميةُ التعاطفِ والرحمةِ تجاهَ الآخرِينَ.
كمَا أنَّ معرفةَ الذاتِ تمكِّنُ الفردَ من متابعةِ شغفهِ، وتحقيقِ أهدافهِ، وعيشِ حياةٍ تتماشَى مع قيمهِ وأهدافهِ، ومن خلالِ تكريمِ ذواتهِ الحقيقيَّةِ، يمكنهُ إطلاقُ العنانِ لإمكاناتهِ الكاملةِ والمساهمة بمواهبهِ الفريدةِ للعالمِ.
معرفةُ الذاتِ هي رحلةٌ لاكتشافِ الذاتِ، وقبول الذاتِ، تؤدِّي إلى قدرٍ أكبرَ من الإشباعِ والسعادةِ، والمعنَى في الحياةِ.. وكمَا قالَ سقراط عبارتهِ الشهيرةِ: «إنَّ الحياةَ غيرُ المدروسةِ لا تستحقُّ العيشَ».