Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

عزوف البنات عن الإنجاب!!

A A
يواجهُ العالمُ أزمةً لم يجدْ حلًّا لهَا حتَّى الآنَ، عددُ المواليدِ يقلُّ سنةً بعدَ سنةٍ عَن معدَّلِ الموتَى من الكبارِ، وهذهِ ظاهرةٌ لا تصيبُ الدولَ الغنيَّةَ، أوروبَا وأمريكَا، فحسبْ، بلْ تشملُ العالمَ كلَّه، هناكَ بلدانٌ يتسارعُ فيهَا هذَا الأمرُ، بينمَا تلحقُ بهَا الدولُ الأُخْرى. اختلفِ المحلِّلُونَ والباحثُونَ والاقتصاديُّونَ، الذِينَ يدرسُونَ هذهِ الحالةَ، خاصَّةً فِي الدولِ الغنيَّةِ، ولمْ يتَّفقُوا علَى حلٍّ موحَّدٍ لهَا. واتَّجهتْ عددٌ مِن الدولِ الغنيَّةِ إلى تشجيعِ النِّساءِ علَى إنجابِ المزيدِ مِن الأطفالِ عبرَ برامجَ ماليَّةٍ تشجِّعهُنَّ على ولادةِ عددٍ أكبرَ من المواليدِ، مثل فرنسا. وأعلنَ دونالد ترمب، في أمريكَا، أنَّه سيقدِّمُ حوافزَ جذابةً للنِّساءِ لتشجيعهنَّ على الإنجابِ متَى صعدَ للرئاسةِ، وتفكِّرُ كوريا الجنوبيَّة (دولةٌ غنيَّةٌ ولكنَّها في آسيَا وليستْ في أوروبَا) فِي منحِ 70000 دولارٍ مقابلَ كلِّ طفلٍ كوريٍّ جنوبيٍّ يُولدُ.

تعانِي كوريَا الجنوبيَّة من انخفاضِ معدَّلِ مواليدِهَا بشكلٍ كبيرٍ، حيثُ أخذَ عددُ سكَّانِها في الانكماشِ (معدَّل الخصوبةِ بينَ مواطنيهَا 0.7 طفل لكلٍّ امرأةٍ)، والمطلوبُ حتَّى تتمكنَ الدولُ من تعويضِ مَن تفقدَهُم بالوفاةِ، من كبارِ السِّنِّ، هُو معدَّل خصوبةِ (2.1) طفلٍ لكلِّ امرأةٍ. ومن الواضحِ أنَّ انخفاضَ معدَّلاتِ الولادةِ يعودُ إلى عدمِ رغبةِ النِّساءِ في أنْ تنجبَ أطفالًا يكونُون عبئًا عليهنَّ، وليسَ على الأزواجِ، ممَّا قد يؤدِّي إلى مرابطتِهَا في البيتِ، وهناكَ أسبابٌ أُخْرَى لعدمِ رغبةِ النِّساءِ فِي الإنجابِ، وهذهِ مشكلةٌ مطلوبٌ الإسراعُ في حلِّهَا.

وكشفَ استبيانٌ قامتْ بهِ مجموعةُ أبحاثٍ أمريكيَّة فِي عشرينَ بلدًا، ونشرتهُ النيويورك تايمز، أنَّ الشبابَ والشَّاباتِ تزايدَ تباعدهُم عن بعضِهم بعضًا فيمَا يتعلَّقُ بالعلاقاتِ فيمَا بين الذكرِ والأُنثَى، وكذلكَ بالسياسةِ والنظرةِ الاجتماعيَّةِ. وتقولُ مجلةُ الإيكونومست البريطانيّة: إنَّ البنات الشَّاباتِ في الدولِ الغنيَّةِ أصبحنَ أكثرَ ليبراليَّةً ويساريَّةً من الشَّبابِ الأولادِ؛ الذِينَ أصبحُوا محافظِينَ يمينيِّينَ أكثرَ ممَّا كانُوا عليهِ في السَّابقِ. ويقولُ 45 بالمئةِ مِن الشبابِ في أمريكَا إنَّ الرجالَ يواجهُونَ هذهِ الأيامَ تمييزًا ضدهُم، مقابلَ 80 في المئةِ من شبابِ كوريا الجنوبيَّة الذِينَ يؤكدُونَ وجودَ تمييزٍ ضدهُم من قِبل الشَّاباتِ. بلْ وشكَّلَ بعضُ الفتياتِ الكوريَّاتِ جماعاتٍ نسائيَّةً تناهضُ الرجالَ باسمِ «حركة 4B» تدعُو إلى: لا زواجَ، لا أطفالَ، لا مواعدةَ معَ الرجالِ، ولَا علاقاتٍ حميميَّة، وهذَا يعكسُ واقعَ أنَّ معدَّلَ الإنجابِ في كوريَا الجنوبيَّة هُو أدنَى معدَّلٍ في العالمِ.

بعضُ الدولِ فكَّرتْ في تشجيعِ الهجرةِ إلى بلدانِهَا لتحسينِ وضعِ الإنجابِ في البلادِ. إلَّا أنَّ المختصِّينَ يقولُونَ إنَّ مثلَ هذَا الحلَّ هُو إجراءٌ مؤقتٌ؛ لأنَّ الخصوبةَ تنخفضُ عالميًّا. ويبدُو أنَّنا في بلدانِنَا الخليجيَّةِ لنْ ننجوَ مِن هذَا الاتِّجاهِ الذِي تعانِي منهُ أوروبَا وأمريكَا وغيرهمَا من الدُّولِ. وفي تقريرٍ صادرٍ عن البنكِ الدوليِّ أشارَ إلى تواصلِ انخفاضِ معدَّلِ المواليدِ فِي المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ خلالَ السنواتِ الماضيةِ، إذْ بينمَا كانَ معدَّلُ المواليدِ عامَ 1980 هُو 44 مولودًا لكلِّ ألفِ نسمةٍ، فإنَّه تقلَّصَ عامَ 2020 إلى 17 مولودًا فقطْ لكلِّ ألفِ نسمةٍ.

نعودُ إلى ما تقولهُ الإيكونومست، فهِي تتوقعُ أنَّه بحلولِ عامِ 2064 سيكونُ عددُ المواليدِ في العالمِ أقلَّ من عددِ الذِينَ يموتُونَ، بحيث يقلُّ عددُ السكَّانِ عامًا بعدَ عامٍ. وترجِّحُ أنَّ أمريكا وأوروبا لنْ تكونَ من أوائلِ الذِينَ يشاهدُونَ الانكماشَ السكانيَّ، بلْ إنَّ آسيَا ستكونُ السبَّاقةَ لفقدانِ أعدادِ سكَّانهَا. إذْ إنَّ كوريا الجنوبيَّة بدأتْ تلمسُ عبءَ هذَا الأمرِ منذُ أربعِ سنواتٍ، وكذلكَ الأمرُ بعددٍ آخرَ مِن دولِ شرقِ آسيَا، وستعانِي الصينُ من هذَا الانكماشِ بحلولِ عامِ 2040، وأمريكا سنة 2100.

في كل الأحوال، هناك ضرورة لمعالجة هذا الأمر على مستوى العالم، فإذا كانت الفتيات لا يرغبن في الإنجاب، من المهم البحث في أسباب ذلك. وإذا لم تحقق الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول لمواجهة هذه الظاهرة النجاح، فلابد من البحث بعمق أكثر، إذ لا يمكن أن تفرض قوانين على الفتيات تحدد لكل منهن عدد الأطفال المطلوب إنجابها خلال حياتها. ولكن الحوافز وتخفيف العبء على المرأة سيؤدي حتمًا إلى تعديل الوضع. وإذَا كانتِ الدولُ الغنيَّةُ راغبةً فِي التريثِ لحلِّ هذَا الموضوعِ، علَى دولِ الخليجِ أنْ تبحثَ بنفسِهَا عَن الحلولِ المناسبةِ لهَا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store