كنتُ قدْ تحدَّثتُ فِي مقالِي السَّابقِ عَن برنامجِ (خدمةِ ضيوفِ الرَّحمنِ)؛ أحدِ برامجِ رؤيةِ ٢٠٣٠م، والذِي حقَّقَ مستهدَفاتٍ عُظمَى فِي تطويرِ رحلةِ الحاجِّ، حيثُ إنَّ الدولةَ السعوديَّةَ تجعلُ خدمةَ الحرمَينِ الشَّريفَينِ وقاصديهِمَا مِن أَوْلَى أولويَّاتِهَا، وتُوفُّرُ البِنى التحتيَّةِ اللازمةِ لتسهيلِ رحلتهِم. وقدْ كانَ تضافرُ جهودِ مقدِّمِي الخدماتِ مِن معظمِ شركاتِ الحجِّ علَى مستوَى عالٍ من الاحترافيَّةِ والمهنيَّةِ.. وتمَّ إعطاءُ أمثلةٍ متنوِّعةٍ لمزيدٍ مِن الومضاتِ علَى رحلةِ الحاجِّ والجهودِ الكبيرةِ المبذولةِ لتحسينِ تجربتِهِم. كمَا ألقيتُ الضُّوءَ علَى جهودِ الاستقبالِ، والسَّكنِ، والنَّقلِ، كأحدِ عواملِ تسهيلِ رحلةِ الحاجِّ، وتوفيرِ أقصَى درجاتِ الرَّاحةِ والسَّلامةِ لهُ.
وأمَّا اليوم، فسأقدِّمُ ومضاتٍ أُخْرَى لَا تقلُّ أهميَّةً فِي الرحلةِ؛ فهناكَ مَا يُسمَّى بإدارةِ (الإشرافِ والمتابعةِ)، وهِي -حقيقةً- لمراقبةِ الميدانِ وكلِّ مَا يخصُّ الحاجَّ؛ وهِي خطُّ الدِّفاعِ الأوَّلِ عَن حقوقِ الضَّيفِ وتوفيرِهَا لهُ، وإلزامِ الجهةِ المقصِّرةِ أو ربَّما معاقبة كلِّ مَن يخلُّ بالتَّعليماتِ والجودةِ فِي تقديمِ الخدمةِ. وترتبطُ هذهِ الإدارةُ بجميعِ أجهزةِ الدولةِ الحكوميَّةِ. وحقيقةً ليسَ كلُّ شخصٍ يستطيعُ القيامَ بذلكَ الدورِ الفريدِ، إلَّا مَن يملكُ سماتٍ شخصيَّةً وجدتُهَا -عيانًا بيانًا- فِي الأستاذِ عبدالله الدوسري، فهُو ذَا كاريزمَا خاصَّة، ويمتلكُ معرفةً بكافَّةِ تفاصيلِ أعمالِ المراقبةِ والمتابعةِ، ودرايةً فِي تفاصيلِ أنظمةِ وزارةِ الحجِّ، ووزارةِ الداخليَّةِ، وبالتَّالِي القدرة علَى إدارةِ المواقفِ وحلِّ المشكلاتِ وفقَ الأنظمةِ والتَّعليماتِ، وبمجرَّدِ وصولِهَا لخدمةِ العملاءِ، وقبلَ وصولِهَا لوزارةِ الحجِّ، ويعملُ يوميًّا علَى بلاغاتٍ تحتاجُ إلى الوقوفِ علَى المشكلةِ، وعملِ تحقيقٍ ومحضرِ إثباتِ حالةٍ، وبالتَّالِي حلِّ المشكلةِ.. فهناكَ ١٠٤ مراكزَ خدمةٍ ميدانيَّةٍ تابعةٍ لشركةِ رحلاتٍ ومنافعَ، و٤١٠ عماراتٍ سكنيَّةٍ وفندقٍ، وهناكَ ١٣ جنسيَّةً مِن حجَّاجِ الخارجِ.. كمَا لديهِ درايةٌ بثقافةِ الشُّعوبِ، وبأنواعِ الباقاتِ، ووجباتِ الضيافةِ، فمنهُم مَن يُقدِّمُ لهُم وجبةً ساخنةً، أوْ وجبةً جافَّةً، وآخرُونَ ضيافةً بسيطةً حسب الباقةِ المتَّفقِ عليهَا.
وفي نظري، إن الذكاء العاطفي مهم لشخصية رئيس الفريق، بأن يجمع ما بين الشخصية المحبوبة، والحزم في المواقف مع أعضاء الفريق، حتى تكسب عطاءهم وتفانيهم، كما أن استخدام لغة الجسد وتعبيرات الوجه مهم في تحقيق المطلوب، حتى دونَ التفوه بكلمة واحدة.
وهناكَ ومضةٌ أُخْرَى غايةٌ فِي الأهميَّةِ، ولَا يعلمُ عنهَا الكثيرُونَ، وهِي التفويجُ لجسرِ الجمراتِ، وهذهِ تتطلَّبُ مهاراتٍ فِي قراءةِ الخرائطِ، ودرايةً كاملةً بكلِّ شبرٍ في منى، وليسَ فقطْ الشَّوارعِ والطرقِ الرئيسةِ؛ ويكونُ مسارُ الحجَّاجِ حسب تحديدِ وزارةِ الحجِّ وإدارةِ المرورِ للمساراتِ لكلِّ شركةٍ؛ بناءً علَى معطياتٍ، مِن حيثُ جنسيَّاتِ الحجَّاجِ ومراكزِهِم، واشتراكِهِم فِي خدمةِ القطارِ أوْ لَا، وكلُّ مخيمٍ لابُدَّ أنْ تُرسمَ لهُ خطَّةٌ لسيرِ الفوجِ مِن المسارِ المحدَّدِ وفقَ جداولَ زمنيَّةِ مخصَّصةٍ ومحدَّدةٍ بالسَّاعةِ والدَّقيقةِ.. وقدْ لمستُ تلكَ المهاراتِ لدَى المهندسِ مشاري اللهيبي مسؤولِ التفويجِ فِي شركةِ الإسنادِ، حيثُ أكَّدَ علَى وجودِ شاشاتِ عرضٍ فِي كلِّ مركزِ خدمةٍ ميدانيَّةٍ؛ لتوعيةِ الحجَّاجِ بالتَّعليماتِ، ومنهَا المساراتُ التِي يسلكُونَهَا، وكذلكَ بثٌّ إذاعيٌّ، وتجهيزُ أدواتِ التفويجِ، ووجودُ خرائطَ مصغَّرةٍ.
ولأُكملَ حلقةَ التفويجِ، تمَّ الاطِّلاعُ علَى أعمالِ المشرفِ علَى قطاعِ تذاكرِ قطارِ المشاعرِ الأستاذ خالد الدمياطي، وقدْ أوضحَ آليَّةَ شراءِ تذاكرِ القطارِ، حيثُ تقومُ وزارةُ الحجِّ بتوزيعِ تذاكرَ لـ300- 400 ألفِ حاجٍّ، وغالبًا هُم مِن الهندِ، وباكستان، ودولِ الخليجِ العربيِّ، وهِي خدمةُ B2C، وتقدَّمُ للشَّركاتِ -حسب أعدادِ حجَّاجِهم- منهَا 113.000 في (رحلاتِ ومنافعَ) لوحدِها -طبعًا- بعدَ دفعِهم لقيمةِ التذاكرِ، وهناكَ تذاكرُ المشغِّلِ: وهُم المكاتبُ المشمولُونَ بالخدمةِ معَ كلِّ فوجٍ، وهناك تذاكر أُخْرى لمَن يرغب من الحجَّاج في أيام التشريق. والتذكرة عبارة عن أسورة تُوضع بلونٍ خاص وتُرصد إلكترونيًّا. ويوجد ثلاث محطَّات رئيسة، وهي: منى - عرفات - ومزدلفة، ولها مساران للذهاب والإياب، وتُوزَّع الخرائط على المرشدين للتفويج للقطار.
وهناك برامج وزارة الحجِّ التي تتبعها الشركات، ومنها برنامج (منهاج)، والذي تعمل عليها كوادر بشرية مؤهلة مثلُ الأستاذةِ نهلة مفتي، وهُو عبارةٌ عَن ملفِّ إكسل، وضعت فيهِ كلَّ المهامِّ المطلوبةِ بأعمالِ حجِّ 1445هـ، ويتمُّ تحديدُ البدءِ فِي المشروعِ والانتهاءِ منهُ، والإثباتِ للوثائقِ والمهمَّاتِ مِن خلالِ 143 مهمَّةً، وكمْ أُنجزَ منهَا. ويتابعُ ذلكَ معَ مؤشراتِ الأداءِ والجودةِ في شركةِ رحلاتِ ومنافعَ، الأستاذُ فهد الأذيبي.
كمَا أنَّ برنامجَ (بطاقةِ نُسك)، الذِي فرضتهُ وزارةُ الحجِّ هذَا العام، لتميِّزَ الحجَّاجَ النظاميِّينَ مِن المخالفِينَ، حيثُ يُعتبر هويَّةَ الحاجِّ، ويشرفُ عليهِ مديرُ إدارةِ الاتِّصالِ المؤسَّسيِّ الأستاذُ عاطف كردي، والأستاذةُ فطيمة صيَّاد، حيثُ تتمُّ طباعةُ جميعِ بطاقاتِ الحجَّاجِ فِي الرياضِ فِي إحدَى الشركاتِ المتخصصةِ، ثمَّ تورَّدُ للشركاتِ -كلِّ حسبِ حجَّاجهِ-، ومِن ثَمَّ تُسلَّم لمراكزِ الخدمةِ الميدانيَّةِ خلالَ ٢٤ ساعةً مِن وصولِ الحاجِّ.
حقيقةً، هذهِ ومضاتٌ صغيرةٌ لجهودٍ كبيرةٍ تُقدَّمُ فِي رحلةِ الحاجِّ، نتحدَّى بهَا كافَّةَ الدولِ فِي إدارةِ الحجِّ.