Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الحج المفتوح!

A A
في الوقت الذي تتجه فيه الدول والمجتمعات إلى الأخذ بأسباب التمدن والإفادة مما وفرته التقنية والتنظيمات الحديثة من وسائل راحة وما ترتب عليها من إنجازات، نجد بعض الأصوات العربية ترتفع مطالبةً بالعيش في الماضي بكل تفاصيله الرتيبة التي لا تتناسب مع الحاضر ومتطلباته.

بعض ما تُنادي به هذه الأصوات هو أن يكون الحج (مفتوحًا) على مصراعيه؛ بحيث متى عنَّ للفرد أن يحج فما عليه إلا أن يعقد النية وينطلق صوب مكة لأداء فريضة الحج. هذا المفهوم ربما كان يصلح قبل قرن؛ عندما كانت أعداد الحجاج قليلة ولم تكن هناك دولة مؤسسات، وكانت المدينتان المقدستان (مكة والمدينة) لا تحظيان برعاية جيدة من المؤسسة السلطوية حينها ولا بعنايتها، وليس يعنيها شأنهما كثيرًا، وليس يشغلها نجاح الحج. المطالبات بالحج المفتوح تأتي نتيجة رغبتَين متباينتَين: الرغبة الأولى- هي رغبة العوام الذين لا مآرب خفية وراء رغباتهم، اللهم إلا تحقيق أمنياتهم بأداء فريضة الحج وكفى. الرغبة الأخيرة- وهي رغبة تنطلق من نوايا خبيثة ليس في أجندتها أداء فريضة الحج؛ وإنما غاياتها أن تجعل الحج مسرحًا للفوضى والاضطراب، ولتمرير ما يمكن تمريره من أدوات خطيرة تحمل الدمار والفتك، والأخطر في المسألة هو جعل الحج مستنقعًا للأحزاب والشعارات والمزايدات.

لقد ظل الحج منذ أن صدع به سيدنا إبراهيم عليه السلام ركنًا لإقامة شعائر الله والاجتماع على المحبة والسلام بين الحجاج، ولم يُذكَر أنه كان مكانًا للفوضى والتدمير والإخلال بالأمن، أو مناسبة لبث الفرقة والاختلاف والتأليب ورفع الشعارات الحزبية، أو لبثِّ الأفكار والممارسات الهدامة أيًّا كانت اتجاهاتها وغاياتها، وإن حصل شيء من هذا ففي حالات فردية نادرة لا ترقى للحالات التي تقف وراءها منظمات ودول.

المطالبة بالحج المفتوح أو ما يسميه البعض (عدم التضييق على الحجاج) يقصد به إلغاء وجود التصريح بالحج وإلغاء حملات الحج وعدم التقيد بالأنظمة وغيرها من التنظيمات التي تساهم في نجاح الحج، وهذه المطالبات تعني فيما تعني العودة لما قبل العصر الحديث وعدم الإفادة من منجزاته، والأخطر أنها تعني إفساح المجال لكل من ينوي الفوضى والفساد والإخلال بأمن الحج وتعكير نجاحه.

المطالبون بالحج المفتوح يغيظهم النجاح الذي يتحقق للحج كل عام، وكلهم يتمنى أن تتخلى المملكة عن مهامها وواجباتها في حفظ أمن الحج ليمارسوا حقدهم الدفين في المشاعر المقدسة، وهم يعلمون تمامًا ما تتطلبه الحياة اليوم من تنظيم وترتيب في كل أمورها حتى مع الحالات الفردية، فكيف بالحشود المليونية؟ ويعلمون تمامًا ما تبذله المملكة من جهود جبارة فاقت الوصف ولكنهم قوم ختم الحقد والحسد على قلوبهم وأعمى أبصارهم، ويعلمون أنهم لا يستطيعون القيام بما تقوم به المملكة ولو مع أعداد محدودة وفي مكان محدود.. إنها الحماقة التي «أعيت مَن يداويها».

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store