Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

مؤسسة «تكوين».. تصادر الفكر العربي وتعلن وصايتها عليه (3)

A A
أواصل قراءاتي «للمسألة المقدسية ومعضلة الإسراء والمعراج» من كتاب «شجون تراثية» للدكتور يوسف زيدان، عضو مجلس أمناء «تكوين الفكر العربي»؛ إذ نهج منهج المستشرقين، من ذلك قوله:

«وحاصل الأمر أنّ رسول الله كان يصلي بمكة إلى بيت المقدس (لاحظ هنا استعمال الوصف اليهودي/ العبري لأورشليم)، والكعبة بين يديه، فلمّا هاجر إلى المدينة (لاحظ هنا أنّه استعمل الوصف الإسلامي «المدينة المنورة»)، وأسقط اسمها الذي كانت به قبل الهجرة يثرب، فلم يمكنه أن يجمع بينهما، فصلى إلى بيت المقدس أول مقدمه المدينة، واستدبر الكعبة بـ16 شهرًا أو 17».. والسؤال: مَن يقصد بهذا، وإلى ماذا يرمي بتلميحاته هذه؟.

أمّا في قوله: «إنّ أورشليم اسم يهودي مغالطة تاريخية، فتسمية القدس رافقت المدينة منذ بداية تاريخها، أي قبل غزو العبريين للبلاد، عندما أقيمت فيها لأول مرة أماكن مقدسة خاصة بالعبادات القديمة، وهذا مثبت في العهد القديم:

أ- فقد ورد هذا الاسم على نحو ما هو وارد في التوراة «فَإِنَّهُمْ يُسَمَّوْنَ مِنْ مَدِينَةِ الْقُدْسِ وَيُسْنَدُونَ إِلَى إِلهِ إِسْرَائِيلَ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. (إشعياء:48/ 2).

ب- «وسكن رؤساء الشعب في أورشليم، وألقى سائر الشعب قرعا ليأتوا بواحد من عشرة للسكنى في أورشليم، مدينة القدس، والتسعة الأقسام في المدن» (نحميا: 11/1).

ت- لقد ذكر المؤرخ اليوناني هيرودوت مدينة كبيرة في الجزء الفلسطيني من الشام وسمّاها مرتيْن «قديتس» في الجزء الثاني والثالث من تاريخه، ويقول المؤرخ اليهودي الفرنسي سالومون مونك في كتابه عن فلسطين: إنّ هذا الاسم على الأرجح هو القدس، محرفًا عن اليونانية عن النطق الآرامي قديشتا».

ث- ينفي عالم الآثار الإسرائيلي «إسرائيل فلنكشتاين»، أية صلة لليهود بمدينة القدس، ويرى أنّ مدينة القدس لم يعش فيها اليهود مطلقًا، ولم يتم بناء أي هيكل على مر العصور.

ج- أنّ هذه الأسماء جميعها: صهيون، يروشالايم (أورشليم) القدس، ليست أسماءً عبرية، ولا يمكن ادعاء ذلك، وإنّما هي كنعانية، عرفت بها المدينة قبل أن يدخلها الإسرائيليون.

فهذه الحقائق التاريخية تدحض ما يريد الدكتور زيدان ترسيخه بالأذهان، ليُثبت حقًا لليهود ليس لهم، ويسلب حق الفلسطينيين فيها، وكما يبدو أنّ هوى د. زيدان يهودي، حتى جعل حائط المبكى غلاف شجونه التراثية!!!

أمّا قول د. زيدان: «لا خلاف إذن في أنّ موضع مدينة القدس الحالية كان هو القبلة الأولى للمسلمين ولا خلاف بين المؤرخين والمفسرين في أنّها كانت آنذاك قبلة اليهود الذين وصفتهم الآية القرآنية بالسفهاء، حينما سخروا من تحول المسلمين عن القبلة المشتركة إلى الكعبة، التي كانت آنذاك -أي قبل فتح مكة- بيتًا للأوثان».

هنا نجده؛ جرّد الكعبة المشرّفة من أنّها بيت الله الحرام، وأرسى قواعده سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، وقد تجاوز د. زيدان كل الحدود عند تشبيهه شكل بيت الله الحرام المكعّب بمجسّمات آلهة العرب الذين اتخذوا من شكلها المكعب شكلًا لأصنامهم.. كما تجاوز الخطوط الحمراء عند وصفه بيت الله الحرام بأنّه كان بيت للأوثان عندما تحوّلت قبلة المسلمين إليه، وهو بهذا يهدف إلى التشكيك في أنّ الإسلام ديانة توحيدية خالصة لله تعالى، كون قبلتهم في صلواتهم بيت للأوثان.

كما نجد د. زيدان اتبع منهج المستشرقين في التفسير المادي للتاريخ القائم على إنكار المعجزات، فهو من منكري معجزات الرسول، في مقدمتها الإسراء والمعراج؛ إذ أخرج الإسراء من دائرة المعجزات بجعله من المسجد الأقصى بجعرانة بالطائف إلى المسجد الحرام، والذي لا يعلمه د. زيدان أنّ الجعرانة ميقات أهل الطائف؛ لذا توجه سيدنا محمد إليها بعد موقعة حنين ليحرم منها لأداء العمرة، والمسجد الأقصى بالجعرانة لم يكن موجودًا ليلة الإسراء، كما نجد أنّ عددًا من المستشرقين كاليهودي الصهيوني برنارد لويس قالوا: الإسراء كان إلى المسجد الأقصى بالقدس.

والغريب أنّ د. زيدان يدعو إلى إِعْمال العقل وتغليبه، فكيف قَبِلَ عقله أنّ الإسراء كان من المسجد الأقصى بجعرانة الطائف إلى المسجد الحرام بمكة عام 8هـ، بينما الإسراء كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس قبل تسع سنوات، والمسجد الأقصى بالجعرانة لم يكن قد شُيِّد بعد؟.

أما قوله: «ومن بعد ذلك كله، نقول إجمالًا: لو كان الإسراء معجزة إسلامية وكانت للنبي محمد وكانت بين مكة والقدس مثلما يتوهم كثير من معاصرينا ومن القدماء، أَمَا كان هذا الأمر يستحق «خطبة نبوية» خاصة، ناهيك عن استحقاقه لآيات قرآنية محددة بدلًا من حكاية «مالك بن صعصعة الذي تناقل عنه الرواة أنّ النبي حدّثه عن ليلة أسري به، كأنّ الأمر كان على سبيل السامرة».

وهنا أقول: لقد تطاولتَ يا دكتور زيدان على الخالق جل شأنه بانتقادك لمنهجه القرآني، فالتصديق بمعجزتي الإسراء والمعراج ليستا بحاجة إلى المزيد من الآيات وخطبة نبوية، ومعروف أن السنة شارحة ومفصلة للقرآن، فالذي طالبتَ به؛ لم يطالب حينها مشركو مكة به!.

وأخيراً، هل مَن يحمل هذا الفكر تجاه الإسلام، يؤتمن على تكوين فكر العرب المسلمين؟.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store