Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

لا لا.. لم أبدأ من الصفر..!

الحبر الأصفر

A A
سألنِي صديقِي بكر أبو دمعة: هلْ بدأتَ مِن الصِّفرِ؟ فقلتُ لهُ: أعوذُ باللهِ أنْ أكونَ العبدَ الكفورَ، بلْ أنَا العبدُ الشَّكورُ، كيفَ أبدأُ مِن الصفرِ وهناكَ عشرةُ أرقامٍ سبقتنِي، وهِي علَى النَّحوِ التَّالِي: أوَّلًا: الظَّرفُ التَّاريخيُّ الذِي وُلدتُ فيهِ، فأنَا وُلدتُ مُسلمًا فِي وطنٍ اسمُهُ المملكةُ العربيَّةُ السعوديَّةُ، ذلكَ الوطنُ الذِي حقَّقَ لِي الأمنَ والأمانَ، واحتوانِي، وغذَّانِي، وأطعمنِي، وسقانِي، وصرفَ عليَّ بالتَّعليمِ منذُ أنْ كنتُ طالبًا فِي الصَّفِّ الأوَّلِ الابتدائيِّ حتَّى انتهائِي من درجةِ الدكتوراةِ، ومَا زالَ يُعطينِي ويمنحنِي.

ثانيًا: أُمِّي -رحمهمَا اللهُ- لولوة العجلان، التِي كانتْ تقومُ بدورِ الأُمِّ ودورِ الأبِ فِي وقتٍ واحدٍ، وقدْ تمثَّل دعمهَا بنوعَينِ:

الدَّعمُ الأوَّلُ: وهُو الدُّعاءُ لِي بالتَّوفيقِ فِي كلِّ صباحٍ، حيثُ تقولُ: اللهُ يحفظُ دينَكَ ويحفظُكَ ويرفعُ مقامَكَ، «قُلْ: آمينْ».

الدَّعمُ الثَّانِي: مَا كانتَ تُعِدُّه لِي مِن أطعمةِ وتشجيعٍ وتحفيزٍ، وفِي بعضِ الأحيانِ تُعطينِي بعضَ المصاريفِ التِي تتكرَّمُ عليَّ بهَا أنَا وإِخوتِي.

ثالثًا: أَخواتِي، حيثُ كُنَّ يشملنَنِي بحنانِهنَّ وعاطفتهِنَّ، ولَا زلتُ أتذكَّرُ أُخْتِي مريمَ «أُمَّ حسن أبَا الخيرِ» -حفظهَا اللهُ- عندمَا كانتْ تحمِّمُنِي وأنَا فِي الصفِّ الأوَّلِ وتقولُ: «اغمضْ عينيكَ حتَّى لَا يدخلَ الصابونُ فيهَا ويُؤذيكَ».

رابعًا: كيفَ أنسَى أفضالَ عمِّي حسين -رحمهُ اللهُ- وأخِي يحيى -رزقَهُ اللهُ العافيةَ- اللَّذِين قامَا بتربيتِي واحتوائِي، والتَّعاملِ معَ حماقاتِي فِي الطفولةِ بكلِّ ذكاءٍ ومحبَّةٍ وصدقٍ، حيثُ أنقذانِي مِن الضَّلالِ وحميانِي مِن الضَّياعِ عندمَا كنتُ فِي المرحلةِ الابتدائيَّةِ.

خامسًا: كيفَ أنسَى أَخوالِي وهُم أصحابُ فضلٍ عليَّ، وأخصُّ بالذِّكرِ خَالِي الغَالِي «إبراهيم العجلان» -رحمَهُ اللهُ- هذَا الرجلُ النبيلُ الشَّهمُ الذِي احتوانِي وأسكننِي فِي منزلِهِ ومعَ أسرتِهِ أكثرَ مِن ثلاثِ سنواتٍ، وكيفَ أنسَى أفضالَ خالِي «سليمانَ العجلان» فِي جُدَّة، وهُو الذِي احتوانِي لأكثرِ من سنةٍ فِي منزلِهِ وبينَ أفرادِ أسرتِهِ.

سادسًا: كيفَ أبدأُ مِن الصفرِ وأنَا أخذتُ العلمَ مِن مئاتِ المعلِّمِينَ فِي مراحلِ التَّعليمِ المختلفةِ، فقدْ وفَّقنِي اللهُ لأنْ أطلبَ العلمَ علَى يدِ كبارِ العلماءِ مِن أمثالِ الشيخِ «محمد بن صالح العثيمين»، والشيخِ «عبدالعزيز بن مساعد»، وغيرهمَا مِن المشايخِ في الجامعةِ الإسلاميَّةِ، وغيرهَا مِن المؤسَّساتِ التَّعليميَّة.

سابعًا: كيفَ أنسَى الكتبَ التِي قرأتُهَا والتِي صقلتْ مواهبِي وعلَّمتنِي ودرَّبتنِي واختصرتْ لِي ممرَّاتِ الحياةِ، والفرقُ بينَ مدارسِ الكتبِ ومدارسِ الحياةِ، أنَّ مدرسةَ الحياةِ تعطيكَ الدَّرسَ بعدَ أنْ تأخذَ التجربةَ، بينمَا مدارسُ الكتبِ تعطيكَ الخلاصةَ مِن دونِ أنْ تمرَّ بالتَّجربةِ.

ثامنًا: إنْ نسيتُ فلنْ أنسَى تلكَ النافذةَ المعرفيَّةَ التِي حصلتُ عليهَا أثناءَ دراستِي فِي بريطانيَا، فقدْ نقلتنِي تلكَ المعاهدُ والجامعاتُ التِي درستُ فيهَا، وحوَّلتنِي مِن شخصٍ لديهِ نافذتَانِ، إلَى شخصٍ لديهِ مجموعةٌ كبيرةٌ مِن النوافذِ التِي يطلُّ منهَا علَى المعرفةِ كلَّ صباحٍ.

تاسعًا: كيفَ أنسَى أصحابِي ورفقاءَ دربِي منذُ أنْ كنتُ طفلًا حتَّى الآنَ، أولئكَ الذِينَ صدقونِي النصحَ ودعمُونِي وحفَّزُونِي إلى النَّجاحِ، وكانُوا معي صادقِينَ فِي كلِّ مَا قالُوا.

عاشرًا: الأفكارُ التِي استقيتُهَا مِن التَّعليمِ ومِن القراءةِ ومن التأمُّلِ ومِن العزلةِ والأصدقاءِ.

وأخيرًا؛ كيفَ أنسَى المنابرَ الإعلاميَّةَ التِي أوصلتنِي للنَّاسِ بدايةً من الصحفِ الإلكترونيَّةِ، وصولًا إلى قناةِ روتانَا التِي حملتنِي عبرَ فضائِهَا إلى كلِّ الدُّنيَا.

حسنًا ماذَا بَقِيَ:

بَقِيَ القولُ: بعدَ كلِّ هذهِ العناصرِ والأرقامِ التِي دعمتنِي وشجَّعتنِي وصقلتنِي وجهَّزتنِي؛ لكَي أنجحَ في معركةِ الحياةِ، هلْ أقولُ بدأتُ مِن الصِّفرِ؟! واللهِ العظيم إِنَّنِي أخجلُ مِن التلفُّظِ بهذهِ العبارةِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store