Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

خطوة كريمة.. تستلهم روح الإسلام

A A
مرة أخرى تؤكد السلطات السعودية أن صحة الإنسان تأتي في مقدمة أولوياتها، وأنها الغاية التي تقصر دونها كافة الاهتمامات، تجسيدا لمفاهيم الإسلام النبيلة التي تأمر بالحفاظ على الضرورات الخمس، (الدين والنفس والعقل والعرض والمال)، وذلك بصدور القرار الكريم بأن لا تتجاوز مدة خطبتي وصلاة الجمعة بالحرمين الشريفين 15 دقيقة، وأن تكون المدة بين الأذانين الأول والثاني 10 دقائق، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، مما يخشى معه على سلامة الحجاج وزوار المسجد الحرام والمسجد النبوي، على أن تستمر فترة سريان القرار حتى نهاية موسم الصيف الحالي.

والمتأمل لتفاصيل هذا القرار الصائب، يجد أنه يستمد روح الإسلام ومرونته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقدرته على التكيّف مع جميع المستجدات، حيث يهدف لضمان سلامة المصلين وعدم تعريضهم لأي مخاطرة قد تنتج عن إطالة الصلاة، لا سيما مع اكتظاظ الحرمين الشريفين في نهاية موسم الحج وبداية موسم العمرة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية قد تحدث معها حالات إجهاد حراري أو الإصابة بضربات الشمس، مما يُعرِّض حياة المصلين للخطر.

لذلك، فإن هذا القرار يؤكد الفهم المتقدّم الصحيح لمقاصد الشريعة، والمرونة العالية التي تعاملت بها المملكة مع هذا الوضع الطارئ، وسعيها الحثيث لتطبيق ما يُطلق عليه العلماء «فقه المستجدات»، واستخدام باب سد الذرائع بصورة مثالية، تأسيساً على قاعدة «دفع الضرر»، فحياة الإنسان المسلم عند الله مقدمة على ما سواها، وقد نهانا سبحانه وتعالى في كثير من آيات القرآن الكريم عن المخاطرة بها، أو إلقاء أنفسنا في التهلكة، وهو ما أكدت عليه العديد من الأحاديث النبوية الشريفة.

لذلك سارع العديد من علماء المسلمين، داخل المملكة العربية السعودية وخارجها؛ للإشادة بهذا القرار الذي يهدف في المقام الأول إلى الحرص على سلامة المسلمين، ومرتادي الحرمين الشريفين، تعزيزاً للإجراءات الوقائية والاحترازية الموصى بها من قبل الجهات الصحية المختصة، في إطار الجهود الحثيثة لتقليل الإصابات الناجمة عن الزحام، وارتفاع درجات الحرارة.

وخلال فترات كثيرة من تاريخها المضيئ، انحازت المملكة إلى مصالح المسلمين، وجددت تأكيدها بأن صحة الإنسان وسلامته وحفظ أرواح المسلمين هي الأهم بالنسبة لها، والأولوية المطلقة التي لا يعلو عليها هدف، ويحضر في هذا المقام تعليق العمرة واقتصار موسم الحج على حجاج الداخل خلال فترة تفشي وباء كورونا، إضافةً إلى تعليق الصلاة بكافة المساجد عدا الحرمين الشريفين، والاكتفاء برفع الأذان وإقامة الصلاة عبر مكبّرات الصوت.

حتى خلال مواسم الحج، فإن المملكة تُسخّر كافة إمكاناتها لخدمة ضيوف الرحمن، وتحرص على أن يكونوا بكامل صحتهم أثناء صعودهم المشاعر المقدسة، لذلك فإن المرضى يتم تصعيدهم لمشعر عرفات في سيارات إسعاف مجهّزة ومزوّدة بكوادر طبية مؤهلة، لتقديم أفضل الخدمات لهم. ولا يقتصر هذا الاهتمام على فئة دون غيرها، بل يشمل جميع الحجاج بغض النظر عن جنسياتهم أو أعمارهم أو مناصبهم، لأنهم جميعاً ضيوف أعزاء على هذه البلاد المباركة، ويستحقون العناية والاهتمام.

فالنظرة التي تنطلق منها المملكة في تعاطيها مع القضايا الإسلامية تقوم على القاعدة الشرعية (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، ولذلك لا تقبل السلطات السعودية -تحت أي ظرف من الظروف- المخاطرة بسلامة الحجاج والمعتمرين والزوار حتى وإن كانت نسبة حدوث الخطر ضعيفة مع التجهيزات المتطورة التي تتوفر ولله الحمد في بلادنا، إلا أن القيادة الرشيدة تتعامل وفق نظرة تحمل أعظم معاني الإنسانية.

لذلك، فإن وصفة النجاح الرئيسية في إنجاح مواسم الحج على طريقة إدارة تلك الحشود الهائلة التي تتجاوز عدة ملايين من الناس من مختلف أنحاء العالم، بلهجات مختلفة وثقافات متباينة، تتحرك في وقت واحد نحو أماكن ذات حيز جغرافي محدود، ومع ذلك تتوفر لهم كافة الخدمات ووسائل الرعاية الصحية ليعودوا في نهاية الأمر إلى بلدانهم وألسنتهم تلهج بذكر الله وحمده، ودواخلهم تحمل أنصع الصور عن تجربة الحج التي تلازمهم طيلة حياتهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store