تحدَّثتُ فِي مقالِي السَّابقِ عَن أهمِّ عناصرِ خدمةِ حجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ، وعَن الإداراتِ الفاعلةِ والمؤثِّرةِ فِي الرِّحلةِ، وهِي قسمُ الإشرافِ والمتابعةِ، ودورُهَا فِي ضبطِ أداءِ الخدماتِ، كمَا تحدَّثتُ عَن إدارةِ التَّفويجِ لجسرِ الجمراتِ، وهِي مِن أهمِّ الإداراتِ لضبطِ الحشودِ، كمَا تحدَّثتُ عَن برنامجِ (منهاجِ)، و(بطاقةِ نُسك)، وهُمَا مِن برامجِ وزارةِ الحجِّ لهذَا العامِ، والتِي تعملُ الشركاتُ علَى تفعيلهِمَا كشركةِ (رحلاتِ ومنافعَ)، والتِي ترصدُ فيهَا مؤشِّراتِ الأداءِ لكلِّ خدمةٍ إلكترونيَّةٍ.
ولأكمل حلقةَ الومضاتِ، سأتحدَّثُ اليومَ عَن إدارةِ أعمالِ المشاعرِ المقدَّسةِ، حيثُ يتمُّ استلامُ التَّعاقداتِ معَ البعثاتِ ومعَ المقاولِينَ، لتشييدِ الخيامِ فِي عرفاتٍ، وهِي مِن أجودِ الأنواعِ المصمَّمةِ خصيصًا لمقاومةِ حرارةِ الصَّيفِ PVC، بلْ ومقاومةٍ للأشعَّةِ فوق البنفسجيَّةِ؛ حيثُ يراقبُ مديرُ إدارةِ عمليَّاتِ المشاعرِ المقدَّسةِ الأستاذُ موسى الموسى فِي شركةِ الإسنادِ، وتظهرُ مؤشراتُ الأداءِ علَى Dash board، ونسبةُ الإنجازِ اليوميِّ، بحيثُ تكتملُ كافَّةُ التَّجهيزاتِ قبلَ السادسِ مِن ذي الحجَّةِ.
وهناكَ تصنيفاتٌ محدَّدةٌ لتجهيزِ مخيماتِ مِنَى وفرشِهَا بأعلَى معاييرِ السَّلامةِ والجودةِ، ومحاولةِ استغلالِ المساحاتِ المخصَّصةِ مِن أفضلِ المهندسِينَ، ولكلِّ شبرٍ فِي مِنَى لتوفيرِ مساحةٍ ملائمةٍ للحجَّاجِ. وفِي حالةِ عدمِ توفُّرِ المساحاتِ، يتمُّ التَّواصلُ معَ وزارةِ الحجِّ وكدانةِ.. وغيرِهَا مِن الإجراءاتِ التِي تكفلُ حقَّ الحاجِّ فِي الحصولِ علَى مكانِهِ فِي المشاعرِ المقدَّسةِ.
وهناكَ اشتراطاتٌ عاليةٌ للمطابخِ وإعدادِ الوجباتِ؛ المتوافقةِ معَ اشتراطاتِ وزارةِ الصحَّةِ وأمانةِ العاصمةِ المقدَّسةِ، واشتراطاتِ الدفاعِ المدنيِّ، والتِي يرأسُهَا الأستاذِ يوسف كسار في الإسنادِ، وتضمُّ الإدارةُ فِي هيكلِهَا: الطوارئَ، والخدماتِ العامَّةَ، وهِي التِي تشملُ الاهتمامَ بالمنوَّمِينَ فِي المستشفياتِ والمرضَى، ولَا قدَّرَ اللهُ فِي حالةِ الوفاةِ هناكَ موظَّفُونَ لإتمامِ الإجراءاتِ الحكوميَّةِ النِّظاميَّةِ فِي الدَّفنِ، وتبليغِ البعثةِ، وغيرهَا مِن الإجراءاتِ، ناهيكَ عَن وجودِ أشخاصٍ علَى مدارِ 24 ساعةً لمتابعةِ حالاتِ المرضَى بالمستشفياتِ.. كمَا تتمُّ متابعةُ حالةِ السجناءِ حتَّى يتمَّ البتُّ فِي القضايَا.. إمَّا بالإفراجِ عنهُم، أو استمراريَّةِ التوقيفُ حسب الأحكامِ القضائيَّةِ.
كمَا تشرفُ الإدارةُ علَى المقرَّاتِ فِي مِنَى وعرفاتٍ، وتوفيرِ الدَّعمِ اللوجستيِّ اللازمِ، واحتمالِ فِي حالةِ -لَا قدَّر اللهُ- وجودِ أيِّ مشكلاتٍ ناتجةٍ عَن أخطارٍ بيئيَّةٍ، أو طبيعيَّةٍ، فهناكَ الدَّعمُ مِن الشركةِ الأُمِّ، وحتَّى قبلَ وصولِ الدَّفاعِ المدنيِّ.
وهناكَ إدارةُ خدمةِ العملاءِ، والتِي تُوفِّرُ خدمةَ الاتِّصالِ الموحَّدِ بالرَّقمِ ٩٢٠٠٠٥٩٢٠؛ لاستقبالِ الشَّكاوَى والاستفساراتِ، وعلَى مدارِ 24 ساعةً، حيثُ يتوفَّرُ موظَّفُونَ وموظَّفاتٌ بخمسِ لغاتٍ هي: العربيَّةُ، والإنجليزيَّةُ، والفرنسيَّةُ، والروسيَّةُ، والأوردُو، وهِي حسب الجنسيَّاتِ فِي شركةِ رحلاتِ ومنافعَ، بالإضافةِ إلَى متابعةِ برامجِ وزارةِ الحجِّ، مثل نظامِ التَّذاكرِ (MSD 365)، ويشرفُ علَى ذلكَ كوادرُ بشريَّةٌ مؤهَّلةٌ، وفِي الغالبِ تستمرُّ الحلقةُ معَ الإشرافِ والمتابعةِ للتحقُّقِ مِن المشكلةِ وحلِّهَا معَ العملاءِ، بلْ تمتدُّ لتشملَ إدارةَ رضَا العميلِ (ضيفِ الرَّحمنِ)، وتوفير كلِّ مَا يسعدُهُ.
بالإضافةِ لوجودِ ضابطِ اتِّصالٍ معَ الوزارةِ، ومؤشَّراتِ أداءِ مرتبطةٍ بالشَّركةِ مِن جهةٍ، ومعَ الوزارةِ مِن جهةٍ أُخْرَى، بحيثُ تظهرُ المدَّةُ فِي الاستجابةِ، ومدَى حلِّ المشكلةِ، والوقتُ المستغرَقُ فِي حلِّهَا، والاستجابةُ لأكبرِ عددٍ مِن الاتِّصالاتِ، فهُو عملٌ مؤسَّساتيٌّ منظَّم.
ولأن وزارة الحج هي الجهة المشرفة خدمياً على الشركات، فقد قدمت برامج متنوعة، ومنها (فريق السعادة)، والذي يهدف إلى رفع مستوى الرضا، وتحقيق التواصل الفعال، وتجويد الخدمات، وأنه في حالة وجود شكوى يحاول الفريق إخماد المشاعر السلبية وتحويلها إلى مشاعر إيجابية، بتوفير ما يسعده ويرضيه.
وقدْ كانتْ هناكَ أعمالٌ متنوِّعةٌ طُبِّقتْ فِي الميدانِ؛ لإسعادِ ضيوفِ الرَّحمنِ؛ فهنيئًا لكلِّ مَن قدَّمَ وأدخَلَ السَّعادةَ عليهِم، امتثالًا لقولِ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ، سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ».
ولأنَّ المرأةَ المكيَّةَ كانتْ -ومَا زالتْ- تشاركُ فِي خدمةِ ضيوفِ الرَّحمنِ، ومنهَا الاستقبالُ والضِّيافةُ، فإنَّ مبادرةَ (بيت مكي)، والتِي تُقدَّمُ منذُ سنواتٍ، باستقبالِ ضيفاتِ الرَّحمنِ فِي المنازلِ المكيَّةِ، سواءٌ فِي الاستقبالِ أو التَّوديعِ، وفتحِ بيوتهنَّ لاستضافِةِ الحجَّاجِ؛ وقدْ تشرَّفتُ باستقبالِ حاجَّاتٍ مِن روسيَا هذَا العام، وكمْ كانتْ السَّعادةُ غامرةً، بلْ وانهمرتِ الدُّموعُ مِن أعينهنَّ؛ فكيفَ بهنَّ يصلنَ إلى مكَّة ويقابلنَ سيِّداتٍ مكيَّاتٍ، ويحظينَ بكرمِ الضِّيافةِ وحُسنِ الاستقبالِ، وبالرغمِ مِن حاجزِ اللغةِ أحيانًا، فهُنَّ يُعبِّرنَ عَن الشُّكرِ والتَّقديرِ والامتنانِ، ونحنُ بلغتِنَا نعبِّرُ عَن الشَّرفِ فِي خدمةِ ضيوفِ الرَّحمنِ.. فتعملُ لغةُ المشاعرِ حينمَا تتعطَّلُ لغةُ الكَلامِ.
وهكذَا ستبقَى تلكَ الجهودُ الجبَّارةُ، وهذهِ البصماتُ المكيَّةُ أثرًا كبيرًا فِي نفوسِ ضيوفِ الرَّحمنِ، لتكونَ الرحلةُ ذكرَى لا تُنْسَى.