مَا زالَ البعضُ يُغالِي في الخليفةِ الرَّاشدِ الرَّابعِ، الصَّحابيِّ الجليلِ، وابنِ عمِّ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وزوجِ ابنتِهِ السيِّدةِ فاطمة الزَّهراء، وأبِي السِّبطَيْنِ الحَسنِ والحُسينِ، وأقصدُ بالطَّبعِ: عليَّ بن أبي طالبٍ -رضِيَ اللهُ عنهُم أجمعِينَ-!.
والغُلوُّ الآنَ يزدادُ كمًّا ونوعًا، ويطفُو علَى السَّطحِ أكثر من السَّابقِ، ومَن يرصدهُ يسهل عليهِ ملاحظةُ ذلكَ، ووصلَ إلى مرحلةٍ فاقَ معهَا غلوَّ النَّصارَى فِي عيسى -عليهِ السَّلامُ-، وغلوَّ اليهودِ في عُزيرٍ -عليهِ السَّلامُ-، ومرجعُهم فِي ذلكَ هُو رواياتٌ خُرافيَّةٌ مَا أنزلَ اللهُ بهَا مِن سلطانٍ، وتُشبهُ قصصَ ألفِ ليلةٍ وليلةٍ الأسطوريَّةِ، وليسَ لهَا أصلٌ فِي القرآنِ الكريمِ، ولَا فِي السُّنَّةِ النبويَّةِ الشَّريفةِ!.
ومِن أحدثِ هذهِ الرِّواياتِ التِي يُردِّدُهَا البعضُ فِي الخارجِ علَى منابرِهِم الخِطابيَّةِ، وأمامَ جموعٍ كبيرةٍ من متابعِيهِم، هِي أنَّ رجلًا فِي زمنِ عليِّ بن أبي طالب قدْ رآهُ -ليسَ فِي المنامِ- وقدْ ظهرتْ علَى جنبَيْهِ أجنحةٌ هائلةٌ مثلُ أجنحةِ الملائكةِ، وهُو يطيرُ ويعرجُ إلَى السَّماءِ، فسألَهُ عَن وجهتِهِ، فأجابَهُ عليٌّ أنَّه زَرَعَ بطِّيخًا في القمرِ، وهُو ذاهبٌ إلَى هناكَ ليحصدَهُ ويأتِي بهِ إلَى الأرضِ!.
والخُرافات ذات شِقَّيْن، فمن ناحية ارتضى أولئك البعض طرْحها؛ بينما هي لا تخدم الإسلام في شيء، بل تُرسِّخ الغلوَّ، وتُثير السخرية، وتُسيء إلى عليٍّ بن أبي طالب نفسه، وتُؤجِّج الطائفية، وتشوب توحيد الله -عزَّ وجلِّ-، وتنفي البشرية عن آل بيت النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وكفى بذلك إثمًا مُبينًا!.
وهناكَ آلافٌ أُخْرَى غيرُ هذهِ الرِّوايةِ؛ ممَّا تُؤكِّدُ حاجةَ تُراثِ هذَا البعضِ لغربلةٍ تامَّةٍ؛ ضمانًا لعبادةِ اللهِ عبادةً سليمةً، وتقودُ إلَى النَّجاةِ يومَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقلْبٍ سَلِيمٍ!.
وأمَّا الشِّقُّ الثَّانِي ففِي نفسِ أهميَّةِ الأوَّلِ، فإنْ كانَ الطَّارحُ لهذهِ الرِّواياتِ الخُرافيَّةِ مجنونًا، فلماذَا لَا يكونُ المُتلقِّي لهَا عاقلًا؟! لكنْ للأسفِ أرَى أنَّ المُتلقِّينَ كُثُرٌ، ويصدِّقُونَهَا بِلا تردُّدٍ، ويُروِّجُونَها بسذاجةٍ، وكأنَّهُم أشدُّ جنونًا، بعيدًا عن التأمُّلِ والتثبُّتِ، وإمعانِ الفِكْرِ، وتغليبِ الفطرةِ السَّليمةِ والحنيفيَّةِ السَمِحَةِ!.
يَا جَماعَة، لقدْ خلقنَا اللهُ فِي أرضهِ لعبادتِهِ وحدَهُ، ورزقنَا البطَّيخَ فِي الأرضِ وليسَ فِي القمرِ، وبطِّيخةٌ واحدةٌ فِي الأرضِ خيرٌ مِن عشرِ بطِّيخاتٍ، عفوًا خُرافاتٍ، ولوْ كانتْ مِن القمرِ، ورضِيَ اللهُ عَن جميعِ الآلِ والأصحابِ، إنَّهُم أصهارٌ وأقاربٌ وأرحامٌ، وقدْ خدمُوا الإسلامَ، كلٌّ بمَا ارتضَاهُ لهُ خالقُهُم الواحدُ الأَحدُ.