Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. محمد أحمد بصنوي

ملاحم بطولية

A A
ما يزالُ الفلسطينيون يُسطِّرون ملاحمَ بطوليَّة ستُخلَّد في التاريخ بأحرفٍ من ذهب، فلمْ يكنْ الاحتلالُ الذِي يعتقدُ أنَّ لديهِ أحدَ أقوَى جيوشِ العالمِ، ودعمًا استخباراتيًّا علَى أعلَى مستوى، أنْ يقومَ الفلسطينيُّونَ بالدِّفاعِ عَن أرضهِم، بلْ والأكثر مِن ذلكَ هُو الاستمرارُ فِي مواجهةِ هذَا الاحتلالِ الذِي يشنُّ هجومًا علَى غزَّة بأبشعِ الصُّورِ برًّا وبحرًا وجوًّا، في محاولةٍ لكسرِ إرادةِ الفلسطينيينِ، ولكنْ هيهات.. هيهات.!

صحيحٌ أنَّ الاحتلالَ استطاعَ تدميرَ معظمِ مبانِي قطاعِ غزَّة؛ مَا أدَّى إلى استشهادِ 37.834 فلسطينيًّا، وإصابة 86.858 منذُ السَّابعِ من أكتوبرِ الماضِي، إلَّا أنَّه لمْ يستطعْ أنْ ينالَ مِن إرادةِ أبناءِ فلسطينَ الذِينَ لَا يزالُونَ يلحقُونَ بالاحتلالِ الكثيرَ مِن الأذَى والتدميرِ، فلقدْ نشرتْ هيئةُ البثِّ الإسرائيليَّةِ الرسميَّةِ تقريرًا أظهرَ صراخَ جنودٍ مِن جيشِ الاحتلالِ، -وشهدَ شاهدٌ مِن أهلِهَا- حيثُ حُوصرَ 16 جنديًّا مِن قواتِ الاحتلالِ فِي شقَّةٍ ببيتِ حانون، وتُبودلَ معَهُم إطلاقُ النَّارِ، وفِي الفيديُو يصرخُ جنودُ الاحتلالِ ويطلبُونَ المساعدةَ، وتقولُ هيئةُ البثِّ الإسرائيليَّةُ إنَّها حصلتْ علَى مقاطعَ مدَّتهَا 50 دقيقةً لهذهِ المعاركِ، وإنَّ الجنديَّ الذِي كانَ يصوِّرُ هذهِ المشاهدَ أُصيبَ بجروجٍ خطيرةٍ، ويصرخُ أحدُ جنودِ الاحتلالِ فِي الفيديُو «ساقِي.. ساقِي، لَا أستطيعُ التحمُّلَ، لَا أستطيعُ التحمُّلَ»، ويصرخُ الباقُونَ طلبًا للمساعدةِ، ويُعدُّ هذَا أوَّلَ مقطعٍ تنشرهُ وسائلُ الإعلامِ الإسرائيليَّةُ يُظهرُ إصاباتٍ فِي صفوفِ قواتِهِم.

ففِي أربعةِ أيَّامِ فقطْ، نجحَ الفلسطينيُّونَ فِي تدميرِ 71 آليَّةً عسكريَّةً كليًّا أو جزئيًّا، كمَا قُتل 16 جنديًّا إسرائيليًّا، وأُصيبَ العشراتُ منهُم فِي محاورَ القتالِ المختلفةِ فِي قطاعِ غزَّة، ليسَ هذَا فقطْ، بلْ تمَّ تفخيخُ منزلَينِ ونفقَينِ فِي جنودِ العدوِّ، وحقلِ ألغامٍ فِي آليَّاتِ وجنودِ الاحتلالِ، إضافةً إلى عمليتَي قنصٍ واستهدافِ مروحيَّةٍ فِي سماءِ القطاعِ، وأسقطُوا «طائرتَي استطلاعٍ، واستولُوا علَى طائرةِ درون أُخْرَى».

واعترفَ المتحدِّثُ باسمِ جيشِ الاحتلالِ الإسرائيليِّ دانيال هاغاري أنَّ جنودَهُ يمرُّونَ بأوقاتٍ صعبةٍ ومعقَّدةٍ، ويتعرَّضُونَ لمواقفَ غيرِ مسبوقةٍ فِي العمليَّاتِ العسكريَّةِ المستمرَّةِ في قطاعِ غزَّة. وأضافَ «هاغاري» إنَّ الجيشَ يواجهُ أمورًا لمْ يتعرَّضْ لهَا مِن قبلُ، ووفقًا لأرقامِ جيشِ الاحتلالِ، ارتفعَ عددُ العسكريِّينَ القَتلَى فِي صفوفِهِ منذُ 7 أكتوبر الماضِي إلى 668، بينهُم أكثرُ مِن 314 قتيلًا سقطُوا، منذُ بدءِ الاجتياحِ البريِّ الواسعِ للقطاعِ أواخرَ الشهرِ ذاتِهِ، وكشفتْ تقاريرُ إعلاميَّةٌ إسرائيليَّةٌ، أنَّ أكثرَ مِن 64 ألفَ جنديٍّ يُعالجُونَ حاليًّا فِي مركزِ إعادةِ التَّأهيلِ التَّابعِ لوزارةِ الدِّفاعِ، مِن بينهم 8 آلافٍ يُعالجُونَ مِن اضطرابِ مَا بعدِ الصدمةِ، ومِن المتوقَّعِ أنْ يستقبلَ المركزُ 20 ألفَ مجنَّدٍ آخرِينَ مَعَ استمرارِ القتالِ فِي قطاعِ غزَّة، ومِن مظاهرِ الاضطراباتِ النفسيَّةِ الهائلةِ زيادةُ عددِ الجنودِ الذِينَ تمَّ تسريحُهُم مِن الخدمةِ؛ بسببِ مَا يعانُونَه مِن مشكلاتٍ نفسيَّةٍ، وهِي الأعدادُ التِي تقدِّرهَا بعضُ التقاريرِ الإسرائيليَّةِ بنحوِ 90 جنديًّا.

وأخيراً وليس آخراً، فإن الحرب التي تشن على قطاع غزة منذ تسعة أشهر تقريباً من أحد أقوى جيوش الأرض -كما يدعي الاحتلال- أثبتت أن الحق حتماً سينتصر، مهما طال الظلم، ومهما كان الظالم، وأن الشعب الفلسطيني يتشبث بأرضه، فلم يعرف أحد شعباً يدافع عن أرضه أمام محتل مغتصب، مثلما يفعل الشعب الفلسطيني مع الاحتلال.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة