الحذرُ كلمةٌ وردتْ ومشتقاتُهُا في القرآنِ قرابةَ اثنتَينِ وعشرِينَ مرَّةً، وهِي مِن المفرداتِ التِي يكثرُ تداولهَا في أدبياتِ كتبِ التَّفسيرِ والتَّاريخِ والسِّيرِ ونحوهَا، وهذَا فيهِ من الدلالةِ علَى أهميَّةِ قيمةِ الحذرِ في الحياةِ وضرورتهِ، والحذرُ هُو إحدَى القِيمِ الشخصيَّةِ الواجبُ تبنيهَا، والأخذُ بها وغرسهَا منذ الصغرِ.
حِذْرُ والحَذَرُ، تأتِي في اللغةِ علَى معانٍ، منهَا الخِيفَةُ أو الخَوفُ، كمَا في قولِهِ تعالَى: ﴿سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾، والتَّأهبُ والاستعدادُ كمَا في قولِهِ تعالَى: ﴿وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ﴾، أي: متأهِبُونَ مستعدُّونَ، والاحترازُ والتَّيقظُ.
وللحذرِ ثلاثةُ أركانٍ:
العلمُ بالمحذورِ، فالشرُّ لَا يمكنُ دفعهُ إلَّا بمعرفتِهِ ومعرفةِ أهلِهِ، ومن هُنا كانَ لَابُدَّ مِن معرفةِ أهلِ الشرِّ، والوقوفِ علَى مخططاتِهم؛ لكَي نحذرَهَا، ونحذِّرُ منهَا، وكمَا يُقالُ:
عرفتُ الشَّرَّ لَا للشَّر.. لكــنْ لتوقيــهِ
ومَنْ لَا يعرفُ الشَّرَّ مِن الخيرِ قد يقعُ فيهِ
الاستعدادُ، إنَّ ثمرةَ العلمِ العملُ، وثمرةَ العلمِ بالمحذورِ؛ السَّعيُ في أخذِ الأُهبةِ والاستعدادِ له بجميعِ الوسائلِ المشروعةِ والاحتياطاتِ المُتاحةِ، لاتِّقاءِ شرِّهِ، والتخلُّصِ مِن خطرِهِ.
التُّيقظُ لهُ والتَّحرزُ منهُ، معَ العلمِ والعملِ الجادِّ في الاستعدادِ للمحذورِ، لَابُدَّ مِن الرَّصدِ والتَّيقظِ لهُ والتَّحرزِ منهُ، حتَّى لَا يهجمَ علَى حينِ غِرَّةٍ، ومِن مأمنِهِ يُؤتَى الحَذَرُ.
هناكَ طرفَانِ مذمومَانِ، ووسطٌ عدلٌ: طرفُ الغلوِّ، وتعميمُ سوءِ الظَّنِّ، والغلوُّ والإفراطُ هما اللذانِ تجاوَزَوا العدلَ والتوسطَ حتَّى أوقعهُم ذلكَ في سوءِ الظَّنِّ بعمومِ النَّاسِ، والحذرُ المفْرطُ الذِي أدَّى بهِم إلى الخوفِ الشديدِ، وتركِ بعضِ مجالاتِ الخيرِ أو السكوتِ علَى بعضِ المنكراتِ؛ بحجةِ الحذرِ والخوفِ على الدَّعوةِ والدُّعاةِ، وطرف التفريطِ وقِلة الوعيِ، وهُم الذِينَ لم يأخذُوا بأسبابِ الحيطةِ والاحترازِ ممَّن يُظنُّ بهِ الشرُّ، وإنَّما غلبَ عليهِم البَلَهُ وقلةُ الوعيِ؛ حتَّى أحسنُوا الظَّنِّ بكلِّ النَّاسِ، وأُتُوا مِن حيثُ لم يحتسبُوا.
التوازن بين الحذر وعدم التفريط، هو الموقف العدل والمتوازن، وهو المتوسط بين الطرفين السابقين، الذي يرى الأخذ بأسباب الوقاية والحذر ممن غلب على الظن شره وفساده، لكنه لم يفرط في ذلك بالوسوسة وإساءة الظن بكل شيء، بل الفرق عنده واضح بين الاحتراز وسوء الظن الفاسد.
الحَذرُ.. كلُّ الحذرِ.. كلُّ الحَذرِ..
مِن معاداةِ الأمائلِ والنُّذالِ
إنَّ فيهَا الشرَّ كلهُ والضَّررِ..
وهمومًا وغمومًا لا تُزال
خُذْ نصيحةً من نصيحٍ قدْ خبر..
وعرف أنَّ بهَا الداءَ العضالَ!!
(ابن طاهر).