في ظل ما تتمتع به السعودية من أمن ورخاء واستقرار، فقد أُعيد -بطريقة أو بأخرى- تشكيل مسار (رحلة الشتاء والصيف) التي وردت في القرآن الكريم، وكانت صيفًا للشام وشتاءً لليمن -وكانت قبيلة قريش المكية بطلة تلك الرحلة- لتكون شتاءً إلى سهول تهامة، حيث تكون الأجواء معتدلة، خلاف المرتفعات التي تكون باردة جدًّا، وصيفًا إلى المرتفعات حيث تكون الأجواء معتدلة، خلاف سهول تهامة التي تكون حارة جدًّا.
الذي حصل اليوم هو ما يمكن اعتباره نوعًا من الخروج عن التَّشكيل الذي حصل لمسار رحلة الشتاء والصيف المذكور آنفًا؛ حينما قامت بعض الحواضر في السهول التهامية بممارسة أدوارها الشتائية، وذلك (في قلب الصيف اللاهب) في حركة معاكسة للمألوف، وأوضح من يمثل هذه الحركة هي مدينة جدة، حينما تقوم بالأدوار نفسها -أو قريبًا منها- التي تمارسها في فصل الشتاء، وذلك في وقدة الصيف، وكأنها تريد أن تقول إن السياحة ليست مجرد أجواء معتدلة أو باردة، وليست مجرد خضرة ناضرة أو أنهار هادرة -مع أهميتها البالغة وأولويتها لدى السائح دون شك- وإنما هي كذلك ثقافة ومعرفة وترويح وألعاب وتسوُّق وصناعة للبهجة والفرح.
فقد أعلنت أخيرًا إدارة موسم جدة عن انطلاق موسمها لهذا العام (٢٠٢٤)، تحت شعار (من جديد) بحزمة من الفعاليات المتنوعة التي تجلب البهجة لزوار عروس البحر الأحمر لمَن شاء منهم ذلك؛ فبحسب حساب الموسم على منصة (x) فإنه «ينتظر زوار موسم جدة ٢٠٢٤ فعاليات استثنائية من أجواء الفرح والترفيه، حيث من المقرر إزاحة الستار عن خارطة فعالياته المتنوعة من العروض الفنية والثقافية الحيَّة، والأنشطة الترفيهية والرياضية والسياحية المبتكرة، فضلًا عن التجارب والمغامرات والألعاب الحركية والمهارية والتفاعلية».
المؤكد أن التجربة في بداياتها، والحكم على نجاحها سابق لأوانه، لكن مجرد المحاولة وكسر السائد عن مفهوم السياحة الصيفية الداخلية يعد خطوة جيدة تهدف إلى تحقيق سياحة محلية هادفة ومرغوبة تتوافق مع عاداتنا، وتنبع من قيمنا وعمق أصالتنا، وتتلافى ما قد يشوبها من سلبيات.
وقد رأينا التفاعل الإيجابي مع هذه الخطوة من قِبَل محافظات منطقة مكة المكرمة، ومنها محافظتنا (محافظة العُرْضِيَّات) التي لها حضورها الفاعل في فعاليات المنطقة ومبادراتها وحراكها بمتابعة حثيثة من محافظها علي بن يوسف، مستنِدًا على توجيهات أمير المنطقة الأمير خالد الفيصل، وسمو نائبه الأمير سعود بن مشعل.
توقيع.. من قصيدة لي عن جدة:
لكِ البحُرُ أحلامٌ.. لكِ البَرُّ مَرسَمٌ
لكِ الليلُ أسرارٌ تبدَّتْ لراصدِ
لكِ الكوكبُ الدريُّ والبدرُ والهَوى
لكِ الحُسنُ يَمضي سوقُهُ غيرَ كاسدِ
لكِ الأمسُ أسفارٌ مِنَ المجدِ تزدهي
لكِ السبْقُ يا (أمَّ الرخا والشدائدِ).