في مسيرة حياتي العديد من المواقف التي ما زالت تختزنها ذاكرتي، وكان دافعها حب الخير والإنسانية، ولإيماني أن في إيرادها فائدة وعظة للقارئ الكريم، وكواحد من أبناء القرى الذين رحلوا في مقتبل أعمارهم إلى المدن الحضرية، في طلب العلم والرزق معاً، وأقاموا فيها بعد التعلم والحصول على الوظيفة، فإن حب القرية والارتباط الوثيق، يظل ديدنهم في التردد عليها بين آونةٍ وأخرى، وهو ما دأبتُ عليه، وهي صفة وجبلة انتمائية أصيلة جبل عليها أبناء البادية.
ففي الثمانينيات الهجرية، وفي أثناء عودتي من قريتي للطائف، حيث مقر إقامتي وعملي عبر الطريق الساحلي، أشر لي أحد الأشخاص كان يقف على جانب الطريق وكان الوقت حينها ليلاً، وطلب مرافقتي إلى قهوة الجبل القريبة من مكة، وبدافع المروءة وحب الخير والإنسانية أركبته معي، ورحبت به، وحسب قوله: أنه من سكان إحدى القرى الساحلية، كان يقضي إجازته لدى أسرته وعائد لعمله بجدة، وكان يستحثني في سرعة المسير، مما ظهر لي والله أعلم أنه (متابع)، فقررت التخلص منه بحكمة، وبعد محافظة الليث اتجهت لإحدى المقاهي الواقعة على جانب الطريق العام، فصاح الرجل.. لا تقف قهوة طفيل أقرب، فقلت له درجة حرارة السيارة مرتفعة ويجب التوقف بعض الوقت، ومن ثم نواصل المسير، وكانت القهوة خالية من الزبائن، ما عدا بعض المسافرين كانوا نياما.
فقلتُ للقهوجي اعمل لنا شاهي، وكان رفيقي ما يزال داخل السيارة ويمانع في النزول، وبعد مداولة معه استمرت بعض الوقت؛ نزل من السيارة وجلسنا على الكراسي المعدة للجلوس، وأشعل سيجارة، وكان كثير الحركة والالتفات وغير مستقر.. وبينما كنتُ أفكر في كيفية التخلص منه، وبتوفيق من الله ولطفه إذا بفرقة أمنية تقتحم المقهى وتلقي القبض عليه كمُروّج مخدرات، وبعد التحقيق والمساءلة، تأكَّد لرئيس الفرقة عدم معرفتي أو صلتي بالرجل، وأن إركابي له كان محض الصدفة والعمل الإنساني، وقد برَّأني أثناء استجوابه: أنه لا يعرفني ولا تربطه بي أدنى رابطة، فحمدتُ الله أن نجَّاني من خلفية هذا الموقف، لعلمه تعالى أني ما فعلت ذلك إلا ابتغاء وجهه الكريم.
وهكذا مصير كل من سلك هذا المسلك المخالف للدين والأخلاق، والإسهام في نشر الفساد بين أفراد المجتمع، متجرداً من حق وطنه ووطنيته، ومخالفاً أمن البلاد واستقرارها.
* خاتمة:
ولتوافق هدف هذه الحكاية ومدلولها مع مناسبة اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، المصادف ليوم 26/6/2024م، وتضامناً مع دول العالم في مواجهة هذه الآفة السامة بكل حزمٍ وصرامة، حرصاً على سلامة وأمن ومستقبل الشعوب، وبفضل من الله ثم بجهود الدولة؛ ممثلة في القيادة الرشيدة، ومتابعة الجهات الأمنية، استطاعت بلادنا أن تكون في أولوية الدول عالمياً في محاربة هذه الآفة القاتلة، والحد من انتشارها، وممن يحاول تسريبها لبلادنا.
حما الله بلادنا من كل سوءٍ ومكروه، ورد كيد أعدائها في نحورهم، إنه سميع مجيب.