.. في قريتِنَا الريفيَّةِ القديمةِ كانتِ الأُمَّهاتُ يخوِّفنَّ صغارهنَّ بـ(السَّعليَّةِ) عندَ النَّومِ: «نامُوا لَا تجيكُم السَّعليَّةُ»!، وكذلكَ الحالُ إذَا مَا حاولَ الصِّغارُ الابتعادَ عَن البيوتِ.. فيُلقِي الصِّغارُ برؤوسِهِم علَى وسائدِهِم ويغمضُونَ أعينَهُم ويتظاهرُونَ حتَّى بـ(التَّشخيرِ)؛ خوفًا مِن أنْ تأكلَهُم السَّعليَّةُ.
ولمْ يقصِّر الكبارُ فِي نسجِ حكاياتِ الرُّعبِ عَن (السَّعليَّةِ) فِي خيالاتِ الصِّغارِ مِن أنَّهَا شبحٌ ضخمٌ لامرأةٍ قبيحةٍ، يتدلَّى مِنهَا شعورٌ كثيفةٌ مِن كلِّ جسدِهَا، ثديَاهَا يصلَانِ إلَى قدمَيهَا، وأظافرُهَا تحرثُ بهَا الأرضَ، وتأكلُ لحومَ البشرِ، وتمتصُّ الدِّماءَ...!
*****
.. والسَّعليَّةُ، أو السَّعلوَّةُ كمَا تُسمَّى فِي بعضِ المناطقِ، أو السَّعلاءُ فِي استخدامِهَا اللُّغويِّ، هِي أُسطورةٌ قدْ تعودُ إلى ملحمةِ «جلجامش» أكثر مِن كونِهَا واقعًا، رغمَ أنَّ البعضَ قالَ إنَّهَا ظهرتْ فِي بعضِ مناطقِنَا كينبعِ البحرِ، وحائل وغيرهمَا.. ولكنْ مِن جانبٍ آخرَ آراهَا قدْ تكونُ حقيقةً، إذَا مَا قرأنَا التَّاريخَ الحديثَ مِن منظورٍ يشبهُ حكايةَ السَّعليَّةِ..!
*****
.. عندَ تكوينِ العالمِ، ذِي القطبِ الأوحدِ، ظهرتِ السَّعليَّةِ، وهي تحاولُ أنْ تكونَ الأكبرَ وحشيَّةً والأكثرَ رُعبًا، فأحرقتْ مدينتَينِ عَن بكرةِ أبيهَا، ثمَّ اتَّجهتْ شرقًا وأضرمت النَّارَ فِي حقولِ الأرزِ، لكنَّ السِّنين العجافَ أنبتتِ السَّنابلَ مِن جديدٍ، وغابَ وجهُ السَّعليَّةِ..!
*****
.. ولأن السعلية لا تعرف إلا التخويف، وإشعال الحرائق، و»ابتلاع المفازات»، كما يقول سايسها، فقد حاولت اختلاق فرية الاعتداء عليها؛ لتخرج إلى العالم أكثر وحشية ودموية، فدمرت، وقتلت، وشردت تحت ذريعة محاربة الإرهاب بالترهيب.. ولازالت تشعل الحرائق في كل الأصقاع، وتتلذذ باصطلاء الشعوب إرضاءً لأطماعها..!
*****
.. وفِي عمقِ رحَى الخوفِ راحتِ الدولُ تبحثُ عَن الخلاصِ مِن خلالِ محاولةِ وجودِ عالمٍ متعدِّدِ الأقطابِ، إنَّهم يحاولُونَ قهرَ خوفِهِم مِن (السَّعليَّةِ) بظهورِ المزيدِ مِن (السَّعَالِي).
إنَّه جنونُ عالمٍ بدأَ يجيدُ صناعةَ الخوفِ أكثر من بناءِ السَّلامِ..!
*****
.. وعلَى المستوَى المحليِّ للدُّولِ، يحاولُ البعضُ استنساخَ شبحَ (السَّعليَّةِ)، فتمارُوا علَى عروشِهِم، وأثارُوا مِن علَى كراسِيهم الرُّعبَ فِي شعوبِهِم، فدمَّرُوا، وقتلُوا، وشرَّدُوا.. ومَا غزَّة والسُّودان وسوريَا والعراق واليمن عنَّا ببعيدٍ...!
*****
.. لقدْ أصبحَ الإنسانُ علَى هذَا الكوكبِ -وتحديدًا فِي العالمِ العربيِّ- مرعوبًا، يتَّلفتُ مِن أينَ تأتيهِ السَّعليَّةُ؟.. فوقَ أنَّه مسكونٌ أصلًا بالهمومِ والمآسِي...!
*****
.. أخيرًا... مِن أجلِ أنْ تنامُوا بسلامٍ.. لَا تغمضُوا أعينَكُم وَلَا (تشخِّرُوا)، واحذَرُوا السَّعليَّةَ..!!