- للخُذلانِ فوائدُ تظهرُ بعدَ فترةٍ مِن مشاعرِ الغُبنِ والقَهرِ، وتجاربُ تجعلُ الإنسانَ فِي بحثٍ دؤوبٍ عن السَّعادةِ، وخوفٍ دائمٍ من الشَّقاءِ. إنَّ الخُذلانَ مِن أهمِّ دواعِي التفلسُفِ والتعلُّمِ، والناسُ تتشاركُ تجاربَ سوءِ المُنقَلَبِ فِي الحياةِ بصورةٍ تكادُ تكونُ حتميَّةً. يقولُ فيلسوفُ التَّشاؤمِ «شوبنهاور»: (ستجدُ أنَّكَ كُلُّما عشتَ أكثرَ، شعرتَ بوضوحٍ أكبرَ أنَّ الحياةَ، فِي مُجمَلِ الأمرِ، خيبةُ أملٍ، بلْ خِداعُ).
- يلجأُ كثيرُونَ إلى رفعِ سقفِ آمالِهِم ومستوَى استحقاقِهِم، لا بأسَ.. لكنَّ ذلكَ يرفعُ معَهُ أيضًا احتمالَ خيبةِ الأملِ، ويزيدُ مِن خطرِ صدمةِ الإحباطِ، فالقضيَّةُ ليستْ تفاؤلًا وطاقةَ جذْبٍ بالضرورةِ.. بلْ لعلَّ احتمالَ الفشلِ أكبرُ مِن النّجاحِ، والحظُّ السيِّئُ يطغَى علَى الحَسنِ، والواقعُ كسَّارُ خواطرَ، فالذِي يحدثُ لكثيرٍ مِن النَّاسِ ويتسبَّبُ في تغيُّرِ سلوكِهِم وأفكارِهِم وحتَّى ملامِحِهِم، وأحيانًا للأبدِ.. هُو الخُذلانُ المُرُّ، وخيبةُ الأملِ القاسيةُ بكلِّ فظاعتِهَا وآلامِهَا.
- يبدُو أنَّ للخُذلانِ أيضًا بعضَ السِّحرِ والجاذبيَّةِ، فهُو يَعفِي المرءَ مِن ورطةِ التعلُّقِ.. فكِّرُوا فيهَا، أحيانًا يكونُ فقدانُ الأملِ حُريَّةً جميلةً، كمَا أنَّ خيبةَ الرَّجاءِ وانحسارَ الشَّغفِ، مِن أسبابِ التحرُّرِ العظيمِ والخلاصِ النَّفسيِّ المنشودِ. الغريبُ، أنَّنا قدْ يُنهِكَنَا التَّعبُ من صدْمةِ الخُذلانِ، وبعدَهَا يكونُ العالمُ مُقرِفًا، لكنَّنَا نستمرُّ في تذوُّقِهِ!.
- وبعدَ تجاوزِ مُضاعفاتِ الخُذلانِ واحتواءِ آثارِ الإحباطِ واضطرابِ المِزاج.. ستعودُ لتجربةِ عيشِ حياتِكَ بنفسيَّةٍ مُتغيِّرةٍ ومِزاجٍ مُختلِفٍ، وأسلوبٍ جديدٍ نسبيًّا، وسوفَ تضطرُّ للعودةِ لساحةِ العملِ والإنجازِ والمُقاومةِ؛ لسببٍ بسيطٍ للغايةِ، فهذهِ إرادةُ الحياةِ ومسيرتُهَا القاهِرةُ، وهِي بطبيعتِهَا لا تتوقَّفُ ولا تنتظِرُ.
- «بعدَ مرورِ عشرينَ عامًا مِن الآنَ، ستشعرُ بِمزيدٍ مِن خيبةِ الأملِ ندمًا علَى مَا لمْ تقُمْ بهِ وليسَ ما قُمتَ بِهِ، وهذَا يعنِي أنَّهُ يجبُ عليكَ التحرُّرَ مِن القُيودِ التِي تُعرقِلُكَ.. أبحِر بعيدًا عنِ المِيناءِ الآمِن، وألقِ بنفسِكَ في خِضمِّ الرِّياحِ العاتيةِ، استكشِف واحلَم واستطلِع».. هذَا مَا قالَهُ الكاتبُ الأمريكيُّ (مارك توين).
- لكنْ أحيانًا.. تلتقِي بأحدِهِم.. وقدْ استنزَفكَ الخُذلانُ.. وسرقتكَ السِّنينُ، وصدمتكَ المواقفُ.. وسحقتكَ خيباتُ الأملِ.. فلا تملكُ إلَّا أنْ تبتسمَ ابتسامةً ساخِرةً.. وتعتذرَ لهُ ولنفسِكَ، على انكسارِ قلبِكَ، وانحسارِ شغفِكَ، وانقضاءِ طاقتِكَ.. ثمَّ تتركُهُ آسِفًا، وترحلُ بعيدًا!.