Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

"الخيمة النجرانية".. تخطف أبصار السيَّاح والزوَّار

A A
لفتتِ "الخيمةُ النجرانيَّةُ" أنظارَ زوَّارِ محافظةِ نجران، خلالَ فعالياتِ مهرجانِ "صيفنَا هائل 2024"، الذِي تنظِّمهُ أمانةُ منطقةِ نجران، ضمنَ جهودِهَا للتَّرويجِ السِّياحيِّ لهذهِ المنطقةِ، التِي تُجسِّدُ لوحةً تاريخيَّةً حافلةً، تحملُ كلَّ أصالةِ التَّاريخِ وتفاصيلِهِ الدَّقيقةِ، والتِي تضمُّ بينَ جنباتِهَا مِن المواقعِ التاريخيَّةِ المتميِّزةِ مَا يندرُ وجودُهُ في أيِّ بقعةٍ أُخْرى من العالمِ.

وحظيتِ الخيمةُ بتفاعلٍ كبيرٍ من المواطنِينَ والمقيمِينَ والزوَّارِ؛ الذِينَ ارتسمتْ علَى وجوهِهِم ملامحُ الدَّهشةِ الشَّديدةِ، والإعجابِ الفائقِ بمَا تمَّ عرضهُ، إضافةً إلى الفعالياتِ الأُخْرى التِي شكَّلتْ لوحاتٍ رائعةً، عبَّرتْ -بصدقٍ- عَن مدَى التلاحمِ الذِي يبديهِ إنسانُ المنطقةِ معَ قيادتهِ الرَّشيدةِ، ومقدارِ اعتزازِهِم وفخرِهِم بوطنِهِم، الذِي يقطعُ -في كلِّ يومٍ- خطواتٍ واسعةً جديدةً في طريقِهِ نحوَ التقدُّمِ والرِّفعةِ.

وأوَّلُ مَا يلفتُ نظرَ الزَّائرِ عندَ دخولِهِ الخيمةَ، هُو تلكَ العفويَّةُ التِي تنعكسُ علَى الديكورِ وكافَّةِ التَّفاصيلِ، حيثُ يظنُّ للوهلةِ الأُولَى أنَّ عقاربَ الزَّمنِ قدْ عادتْ بهِ سنينَ طويلةً إلى الوراءِ، فكلُّ شيءٍ تمَّ تنفيذُهُ بمنتهَى الدِّقَّةِ، وتمَّت مراعاةُ جميعِ التفاصيلِ، فجاءتِ الخيمةُ بهذهِ الصورةِ الرَّائعةِ التِي يشعرُ معهَا الزَّائرُ بأنَّه لا زالَ يعيشُ بالفعلِ فِي ذلكَ الزَّمنِ الجميلِ.

ومِن أبرزِ مَا يلفتُ النَّظرَ فِي الخيمةِ، يأتِي ركنُ الصناعاتِ الجلديَّةِ، الذِي وجدَ إقبالًا لافتًا من الزوَّارِ، حيثُ لاقتِ المصنوعاتُ الجلديَّةُ بزخرفتِهَا وأشكالِهَا الهندسيَّةِ الجميلةِ، وخيوطِهَا المطرَّزةِ مِن الجلدِ الفاخرِ، التِي تتمُّ صناعتهَا من قِبلِ الحرفيِّينَ، استحسانَ الحضورِ، الذِينَ أبدُوا إعجابَهُم بدقَّةِ الحِرفيِّينَ ومهارتِهِم فِي صناعةِ الأدواتِ الخاصَّةِ بحياةِ الإنسانِ فِي ذلكَ الوقتِ.

ومِن أجملِ وأدقِّ المصنوعاتِ الجلديَّةِ بالمنطقةِ يظهرُ "الميزبُ"، الذِي شدَّ انتباهَ الزوَّارِ؛ نظرًا لشكلِهِ المميِّزِ وصناعتِهِ السميكةِ الفاخرةِ، وقدْ كانتْ تستعملهُ النِّساءُ قديمًا لحملِ الطفلِ الرَّضيعِ والتنقُّلِ بهِ مِن مكانٍ إلى آخرَ، إضافةً إلى "المشرابِ" بشكلِهِ ولونِهِ الأنيقَينِ، حيثُ يُستخدمُ لتبريدِ مياهِ الشُّربِ لفترةٍ طويلةٍ، ويسهلُ نقلهُ وتعليقهُ في أيِّ مكانٍ، إضافةً إلى العديدِ من المصنوعاتِ المتميِّزةِ الأُخْرى، التِي تعكسُ مهارةَ الحرفيِّينَ وتنوُّعَ ثقافاتِهِم، والتُّراثَ العريقَ الذِي تتميَّزُ بهِ منطقةُ نجران.

وللحقيقةِ، فقدْ أجادَ القائمُونَ علَى هذهِ التظاهرةِ الثقافيَّةِ التراثيَّةِ، حيثُ اهتمُّوا بكافَّةِ جوانبِ الموروثِ المحليِّ، مثل المجلسِ النجرانيِّ الذِي يستضيفُ كبارَ السِّنِّ والمثقَّفِينَ والشُّعراءَ، وجناحِ التراثيَّاتِ، وجناحِ الحِرفِ اليدويَّةِ، والأكلاتِ الشعبيَّةِ، ومحاصيلِ التمورِ والحبوبِ والبُنِّ، إلى جانبِ الفنونِ الشعبيَّةِ التِي تشتهرُ بهَا المنطقةُ.

كمَا نقلتِ الخيمةُ زوَّارَهَا إلى الماضِي عبرَ الصورِ الذهنيَّةِ التِي تروِي تاريخَ الخيمةِ العربيَّةِ وحضارتهَا الأصيلةِ، وأحيتِ الحنينَ إلى حياةِ الباديةِ، والتمسُّكِ بالموروثِ القديمِ؛ لِمَا يُشكِّلهُ من موروثٍ ثقافيٍّ لأبناءِ الجزيرةِ العربيَّةِ، مثل صناعةِ القهوةِ السعوديَّةِ التِي يُشكِّلُ حضورُهَا في الخيمةِ رمزًا للكرمِ والضيافةِ، ومنتجًا ثقافيًّا مميَّزًا للمملكةِ.

وبطبيعةِ الحالِ، كانتْ هناكَ مساحةٌ خاصَّةٌ للجنابيِّ التِي تُشكِّلُ موروثًا أصيلًا يعكسُ إرثًا حضاريًّا للمنطقةِ، تتوارثهُ الأجيالُ عبرَ مراحلِ التاريخِ، وهِي جزءٌ لا يتجزَّأُ مِن الهويَّةِ النجرانيَّةِ، التِي تُعبِّرُ عَن أصالةِ وفنِ الأزياءِ الشعبيَّةِ بالمنطقةِ، ورمزٍ مِن الرموزِ الوطنيَّةِ التِي لا زالَ أهالِي المنطقةِ -علَى اختلافِ أعمارِهِم، وأذواقِهِم- يعتزُّونَ بهَا، ويتوارثُونَهَا عبرَ التَّاريخِ.

وقد عُرف إنسان نجران -منذ القِدم- باعتزازه بماضيه، وافتخاره بهويته، وهو ما يجسِّد شخصية الإنسان السعودي، الذي يحرص على الارتباط بأرضه وتاريخه، وعدم الانسلاخ عنها، فيما يواصل رحلته بخطى واثقة ومطمئنة نحو الازدهار، ويحقِّق في كل يوم مكاسب جديدة، في ظل قيادته الرشيدة، التي تقرن الليل بالنهار، وتسعى بلا كلل نحو ترقية واقع شعبها، وتحسين معيشة أبنائه.

ولا تقتصرُ أهميَّةُ الاهتمامِ بهذِهِ المعروضاتِ وعرضهَا أمامَ السيَّاحِ والزوَّارِ علَى مجرَّدِ الترفيهِ والفخرِ، حيثُ تحكِي تجاربَ وقصصًا وموروثاتٍ ثقافيَّةً توضِّحُ أساليبَ وطبيعةَ الحياةِ السعوديَّةِ فِي ذلكَ الوقتِ، وهُو مَا يجذبُ انتباهَ الزوَّارِ، الذِينَ -غالبًا- مَا يحرصُ معظمُهُم علَى توثيقِ الثقافةِ السعوديَّةِ وتاريخِهَا وجمالِ مفرداتِهَا، وبذلكَ يُسهمُونَ فِي نقلِهَا للآخرِينَ.

لذلكَ، فإنَّ نتائجَ هذهِ الجهودِ تكونُ أعظمَ أثرًا وأكثرَ فائدةً فِي رفعِ وعيِ الشبابِ بتاريخِ بلادهِم، بأكثر ممَّا تفعلهُ المحاضراتُ والندواتُ؛ لأنَّ الزَّائرَ يرَى بعينَيهِ ويسمعُ بأُذنَيهِ. لذلكَ أتمنَّى أنْ لَا تكونَ مثلُ هذهِ المبادراتِ الرائدةِ مرتبطةً بالمناسباتِ الوطنيَّةِ فقطْ، والإبقاءَ عليهَا لتكونَ بمثابةِ مناراتٍ سياحيَّةٍ تُسهمُ في التَّعريفِ بتاريخِنَا الوطنيِّ العريقِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة