Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

تكوين الفكر العربي من خلال فكر «الحوَّاس».. إلى ماذا يرمي؟!

A A
الباحثُ السوريُّ الأستاذُ فراس حوَّاس أحدُ أعضاءِ مؤسَّسةِ «تكوين»، ينفِي وجودَ حياةٍ آخرةٍ بعدَ الموتِ، ووجودَ جنَّةٍ ونَارٍ، ووجودَ سيدنَا آدمَ -عليهِ السَّلامُ-. كمَا ينفِي وجودَ السُّنَّةِ النبويَّةِ، ويزعمُ بأنَّ جميعَ الأحاديثِ موضوعةٌ، وأنَّ مَا يُدعَى بالحديثِ النبويِّ يجبُ نسفُهُ مِن أساسِهِ كلِّهِ.. كمَا ينفِي واقعيَّةَ القَصصِ القُرآنيِّ.. وذلكَ عبرَ برنامجِ «السُّؤال الصَّعب» بقناةِ سكاي نيوز العربيَّة، وسأردُّ علَى زعمِهِ فيمَا يَلِي:

أوَّلًا: جوابُهُ عَن سؤالِ مُقدِّمةِ البرنامجِ: «هلْ هناكَ حياةٌ بعدَ الموتِ؟»، فأجابَهَا: «لَا يوجدُ حياةٌ بعدَ الموتِ»، وأقولُ لهُ هُنَا: يبدُو أنَّكَ تؤمنُ بالدَّاروينيَّةِ والعَبثيَّةِ الوجوديَّةِ السَّارتريَّةِ، وكلاهُمَا لَا يقولُ بوجودِ حياةٍ بعدَ الموتِ. وقالَ ببدايةِ الحوارِ: إنَّ «آدمَ مجرَّد رَمزٍ»، فإذَا كانَ كذلكَ، فالبشريَّةُ التِي تعمرُ الأرضَ مِن أينَ أتتْ؟، مَن أبُوهَا؟ إنْ كانَ آدمُ «أبو البشر» مجرَّد رمزٍ؛ لكونِهِ خُلِقَ مِن تُرابٍ، فهلْ عيسى -عليهِ السَّلامُ- مجرَّد رمزٍ أيضًا؛ لأنَّه خُلِقَ مِنْ تُرابٍ؟، (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

فإنْ كنتَ لمْ تُسلِّمْ بالحقيقةِ التِي ذكرَهَا الخالقُ -جلَّ شأنُهُ- فهلْ سلَّمتَ بنظريَّةِ المخلوقِ تشارلز داروين، التِي تقولُ: إنَّ جميعَ الكائناتِ الحيَّةِ منذُ بدءِ الخليقةِ -حتَّى الآنَ- تتشاركُ أسلافًا مشتركةً، وإِنَّ القردَ هُو السَّلفُ للبَشرِ؟. أتتركُ كلامَ الخالقِ، وتتبعُ كلامَ المخلوقِ؟.

ثانيًا: إِجابتُهُ عَن سؤالِ: «ماذَا عَن الجنَّةِ والنَّارِ؟».. بأنَّهُمَا مسائلُ رمزيَّةٌ فقطْ، وعندَمَا سُئِلَ: «أنتَ بهذَا تُحدِثُ صدمةً أُخْرَى فِي المجتمعاتِ، حينَ يسمعُونَكَ تقولُ هذَا الكَلَام، هناكَ مَن يعملُ جاهدًا لدخولِ الجنَّةِ، وهناكَ مَن يُتَوعَّدُ بدخولِهِ النَّار لأعمالِهِ السَّيئةِ يَا دكتور»، أجابَ: «لَا علاقةَ لِي بهؤلاءِ، هؤلاء جزءٌ مِن التركيبةِ المتخلِّفةِ فِي العالمِ العربيِّ».

ثالثًا: قولُهُ: «إِنَّ الحديثَ النبويَّ يجبُ نسفُهُ مِن أساسِهِ كلِّهِ»، عندمَا سألَتهُ مقدِّمةُ البرنامجِ: «هناكَ مَن يُردِّدُ: النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، ويقولُ إنَّ المرأةَ خُلقَتْ مِن ضِلعٍ أَعْوجَ، كيفَ تردُّ علَى هؤلاءِ حتَّى يكفُّوا ربَّما عَن حديثِهِم بهذِهِ الطريقةِ»، ثمَّ سألَتهُ عَن روايةِ أبي هريرةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَن الرَّسولِ الكريمِ -صلَّى اللهُ عليخِ وسلَّمَ-: «اسْتَوصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، المرأةُ خُلِقَتْ مِن ضِلعٍ، أَلَا تُؤمنُ بهَا أيضًا؟»، فأجابَهَا: «كلُّهُ موضوعٌ، كلُّ الحديثِ عَن الرَّسولِ موضوعٌ». فسألَتهُ: «لماذَا -فِي رأيِكَ- وُضعتْ هذهِ الأحاديثُ علَى لسانِ الرَّسولِ؟ لماذَا نُسبَ إلَى الرَّسولِ هذَا النوعُ مِن الأقوالِ؟». فأجابَ: «لأنَّ الإنسانَ دائمًا عندمَا تأتِي رسالةٌ مِن رسولٍ عظيمٍ مِن نوعِ محمَّدٍ، أو مِن نوعِ المسيحِ، أو مِن نوعِ زرادشت، أو نوعِ مانِي، مَن يأتِي بعدَهُ يعملُ علَى تطويرِهَا، فلَا يُوجدُ دِينٌ بَقِيَ علَى حالِهِ التِي أتَي بهَا مؤسِّسُ الدِّينِ، هْل المسيحيَّةُ بَقِيتْ كمَا هِي فِي الأناجيلِ؟ أبدًا».. فِي هذهِ الجزئيَّةِ استوقفنِي الآتِي:

* زعمُهُ الباطلُ بأنَّ جميعَ الأحاديثِ النبويَّةِ موضوعةٌ، والمطالبةُ بنسفِهَا جميعًا بكلامٍ مُرسلٍ دونَ سندٍ علميٍّ، ولستُ أدرِي كيفَ مرَّرتِ الأستاذةُ المذيعةُ فضيلة السويفي هذَا الزَّعمَ الباطلَ، علَى المصدرِ الثَّانِي مِن مصادرِ التَّشريعِ فِي الإسلامِ، وكأنَّهُ حقيقةٌ؟.

هناكَ أحاديثُ موضوعةٌ، ولكنْ ليسَ كُلهَا، وقدْ بدأَ الوضعُ في الظهورِ بعدَ مقتلِ سيِّدنَا عثمانَ بن عفّان -رضيَ اللهُ عنهُ-. وقدْ وضعَ علماءُ الحديثِ أصولَ وقواعدَ تُميِّزُ بينَ الصَّحيحِ والضَّعيفِ، والموضُوعِ متنًا وسندًا.

* مقارنتُهُ لِنَبيِّ اللهِ عيسى، ورسولنَا الكريمِ محمَّدٍ بزرادشت وماني، مؤسِّسي دِيانتَيْنِ وثنيَّتَينِ، فزرادشت رجلُ دينٍ فارسيٌّ أسَّسَ الزرادشتيَّةَ، نسبةً لمؤسِّسهَا زرادشت، وتُعتبرُ مِن أقدمِ الدِّياناتِ فِي العالمِ، فتأسَّستْ منذُ أكثر مِن 3000 سنةٍ، فيمَا يُعرفُ اليومَ بدولةِ إيرانَ علَى تعاليمِ زرادشت، ويعتقدُ معتنقُوهَا بوجودِ إلهٍ واحدٍ أزليٍّ هُو أهورامزدا، بمعنَى «الإله الحكيم»، وهُو خالقُ الكونِ لديهِم.. أمَّا المانويَّةُ فهِيَ خليطٌ بينَ المسيحيَّةِ والبوذيَّةِ والزرادشتيَّةِ، وعقيدةِ تناسخِ الأرواحِ، اقتبسَهَا مانِي مِن البوذيَّةِ، فيقولُ: ليسَ أيُّ إنسانٍ يموتُ تنتقلُ روحُهُ تلقائيًّا إِلَى إنسانٍ آخرَ، إنَّمَا يعتمدُ ذلكَ علَى كونِهِ خاطئًا أمْ لَا. لأنَّ تكرارَ الحياةِ يُعتبرُ نوعًا مِنَ العقابِ. فالإنسانُ النقيُّ المؤمنُ تذهبُ روحُهُ مباشرةً إِلَى حدائقِ النُّورِ جِنَانِ اللهِ، أمَّا الإنسانُ الخاطئُ فيعاقبُهُ اللهُ بانتقالِ روحِهِ إلَى إنسانٍ آخرَ ليعيشَ حياةً أُخْرى وأُخْرَى حتَّى يصبحَ نقيًّا ومؤمنًا، فيتوقَّفُ التَّناسخُ، وتذهبُ روحُهُ إِلَى جنَّةِ الخلودِ.

وأودُّ تذكيرَ الأستاذِ الحوَّاس بالحقيقةِ التِي غابتْ عنهُ: أنَّ اللهَ خَلَقَ الإِنسَانَ لِحكْمَةٍ، وَهِي استخلافُهُ فِي الأرضِ وعمارتُهَا ابتلاءً وامتحانًا لغايةٍ عُليَا، وهِي عبادتُهُ، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وقدْ أرسلَ الرُّسلَ والأنبياءَ لهدايةِ البشرِ، (‏وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)،‏ وبعثَ لكلِّ أُمَّةٍ رسولًا؛ ليقيمَ الحُجَّةَ عليهِم (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، وخلقَ الإنسانَ متعلِّقًا بالدُّنيَا والآخرةِ، وجعلَ الجنَّةَ والنَّارَ جزاءً لِمَا يعملُهُ بنُو البشرِ (وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

‏إن نفي الأستاذ فراس، وجود حياة بعد الموت، ووجود الجنة والنار، تقربه من الذين يرجعون خلق الإنسان إلى الطبيعة، فلا نظام للكون يسيره، يقول الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: «إن الله غير موجود»، أما عن الخلق فيقول في كتابه الغثيان: «موجود يولد بدون سبب ويستمر بالضعف، ويموت بالصدفة»، ويقول في كتابه: «الكينونة والعدم»، الكينونة هي بدون سبب ولا علة ولا ضرورة». وهكذَا نجد وجوديةَ سارتر الملحدةَ قد حكمت على الإنسانِ بوجود عبثي؛ مما أدى بالوجوديين إلى طرحِ هذا السؤالِ: «هل تقضي الحكمة بالتخلص من الوجود عن طريق الانتحار؟.

وكمَا يبدُو أنَّ الأستاذَ فراس قدْ تأثَّرَ بالوجوديَّةِ العبثيَّةِ السارتريَّةِ، إلى جانبِ تأثُّرهِ بالداروينيَّةِ، فهلْ مَن يحملُ هذَا الفكرَ يُؤتَمنُ علَى تكوينِ فكرِ شبابِ أُمَّةٍ بِأَسرِهَا؟.

للحديثِ صِلَةٌ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store