Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

إزهاق الأرواح داخل «دكاكين» الأطباء المجهولين!!

A A
تابعنا جميعاً خلال الأيام الماضية بألمٍ كبير نبأ وفاة مواطنة سعودية خلال إجرائها عملية شفط دهون في إحدى الدول العربية، ودخول شقيقتها التي قامت بإجراء نفس العملية في غيبوبة تامة، مما استدعى نقلها إلى المملكة على وجه السرعة ودخولها أحد المستشفيات السعودية لتلقي العلاج، بعد أن كادت تفقد حياتها هي الأخرى.

وفي تفاصيل الحادثة، أشارت الناجية إلى أنها ذهبت برفقة شقيقتها لإجراء العملية في تلك الدولة بعد أن تواصلتا مع أحد الأطباء الذي أوهمهما بقدرته على إجراء هذه العمليات «بمنتهى السهولة»، وبمبالغ مالية منخفضة، لكنها فوجئت بأن الأوضاع على غير ما تصورته، ووصفت غرفة العمليات بأنها «أشبه بالمقبرة»، حيث كانت تفتقد للكثير من التجهيزات. لكنها رغم ذلك قررت الخضوع لإجراء العملية، وهو قرار خاطئ لم تكتشف حقيقته إلا عند إفاقتها بعد عدة أيام في أحد المستشفيات السعودية بعد أيام قضتها في غيبوبة كاملة.

الغريب في الأمر أننا كثيراً ما نطالع مثل هذه الأخبار في وسائل الإعلام، ولكن رغم ذلك فإن هناك من لا زالوا يقعون في هذا الفخ، والسبب المشترك في معظم الحالات هو «الاستسهال»، وعدم الحرص على التيقن والتأكد من كفاءة أولئك الأطباء المجهولين، الذين تمتلئ بهم مواقع الإنترنت، وكأن أرواح الناس أصبحت مجرد تجارة.

وبصفتي أحد العاملين في المجال الطبي منذ سنين طويلة، فإنني على ثقة أنه حتى لو توفر الطبيب الكفء المؤهل؛ فإن ذلك لا يُشكّل لوحده ضمانة كافية تدفع أي إنسان للمخاطرة بحياته، فمثل هذه العمليات تحتاج إلى أجهزة متطورة، ومستلزمات طبية ذات جودة عالية، وقدرة على مواجهة أي تطورات غير متوقعة، وهو ما قد لا يتوفر في كثير من الدول لأسباب مادية بحتة.

فهناك في الأسواق محاليل تستعمل في التخدير -على سبيل المثل- وهي من النوع الرخيص الذي يُشكّل خطورة كبيرة على المرضى، لا سيما إذا كانوا مصابين بأمراض مزمنة، مثل الضغط والسكر، وقد تصل المضاعفات إلى الإصابة بهبوط في الدورة الدموية والدخول في غيبوبة تقود إلى الوفاة.

ربما يتساءل القارئ الكريم عن الحلول التي يمكن أن يلجأ إليها من يحتاجون لإجراء تلك العمليات، وأن ارتفاع تكلفتها في المملكة قد يضطرهم للذهاب إلى الخارج، ولكن ذلك لا يُشكّل مبرراً مقنعاً، فالحياة ليست رخيصة كي نُغامر بها، وحتى إذا استلزم الأمر، فمن الممكن تأجيلها حتى تَوفُّر المبلغ المطلوب، لا سيما وأنها ليست عاجلة أو ملحّة.

هناك نقطة أخرى في غاية الاهتمام، تتمثّل في الحاجة للتوسّع في افتتاح العيادات التجميلية التي باتت تلقى إقبالاً كبيراً خلال الفترة الأخيرة، فهذا التوجّه يمكن أن يحقق مكاسب عديدة، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار اكتمال التجهيزات اللازمة لنهضة المؤسسات الصحية، فالمملكة بحمد الله تتمتع ببنية تحتية حديثة يمكن أن تكون أرضية صلبة ننطلق منها لتحقيق الريادة في هذا المجال.

هذه المكاسب لا تقتصر على الأرباح المادية التي ستحققها المستشفيات أو المراكز الطبية، فهناك العديد من الفرص الوظيفية التي ستنشأ للكوادر الوطنية من الشباب الذين تخرجوا من كليات الطب والصيدلة والتمريض والمعاهد الفنية الأخرى.

كما أن القادمين من الخارج للعلاج في المملكة حتماً سوف ينقلون للعالم ما شاهدوه في بلادنا من فرص استثمارية واعدة، وسوق واسعة، وقدرة شرائية مرتفعة، وهو ما يمثل حملة دعائية لا تُقدَّر بثمن. إضافةً إلى تحقيق الأمن الصحي الذي بات على درجة عالية من الأهمية، تسعى إليه كافة الدول، وهو ما نادت به رؤية المملكة 2030 في كثير من بنودها، حيث شرعت السلطات السعودية فعلياً في إنشاء مدن مخصصة لذلك، مثل مدينة أمالا التي تضم أجنحة على درجة عالية من الفخامة والتطور لاستيعاب الباحثين عن النقاهة والصحة والعلاج والرياضة في العالم.

المطلوب هو المزيد من التطوير والتنظيم، فلدينا كافة المؤهلات التي يمكن أن تقودنا لنصبح رواداً في هذه الصناعة المتنامية، ونمتلك بحمد الله جميع الإمكانات. نحتاج فقط إلى التعامل بطريقة الاستثمار طويل الأمد، وأن لا ينصرف تفكيرنا على تحقيق الأرباح السريعة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store