دارُ (كرمة ابن هاني)، هُو المنزلُ الذِي قضَى فيهِ أميرُ الشعراءِ «أحمد شوقي» أزهَى سنواتِ عمرهِ، تمَّ تحويلهُ فِي عام 1973م إلى متحفٍ وصرحٍ ثقافيٍّ في عهدِ الرئيسِ الأسبقِ محمد أنور السادات، قمتُ بزيارتهِ غيرَ مرَّةٍ؛ إحداهَا كانتَ برفقةِ بعضٍ من أصدقائِي الأساتذةِ المصريِّين أثناءَ حضورِي مؤتمرًا عَن «مراقبةِ الجودةِ»، أُقيم فِي جامعةِ عين شمس قبلَ حوالى عقدَينِ مِن الزَّمنِ.
البيتُ يحكِي تفاصيلَ حياةِ «شوقي» المليئةِ بالأحداثِ والحكاياتِ والمواقفِ؛ التِي عاشهَا الشَّاعرُ الكبيرُ «أحمد شوقي» وسطَ جدرانِ هذَا البيتِ.
يقعُ البيتُ علَى كورنيش النِّيلِ، وقدْ قامَ «شوقي» ببنائِهِ في عام 1920م، بعدَ انتهاءِ فترةِ إبعادِهِ عَن بلدهِ مصرَ إلَى إسبانيَا، والتِي امتدَّت لمدَّةِ خمسِ سنواتٍ؛ بسببِ انتقاداتِهِ المتعدِّدةِ للإنجليزِ، الذِينَ كانُوا يستعمرُونَ بلدَهُ مصرَ.
أطلقَ علَى منزلِهِ لقبَ «كرمة ابن هاني» تيمُّنًا بالشَّاعرِ العباسيِّ «الحسن بن هاني»، الذِي اشتُهِرَ بلقبِ «أبي نواس»، يتوسَّط حديقتهُ تمثالُ أحمد شوقي، الذِي صمَّمهُ من البرونزِ النَّحاتُ والمصمِّمُ المصريُّ «جمال السجيني»، وقد صنعهُ بعدَ جلساتٍ مطوَّلةٍ معَ أميرِ الشعراءِ، ويُعتبرُ مِن أصدقِ التصاويرِ الشخصيَّةِ لشوقِي.
في الدورِ الأوَّلِ مِن المتحفِ يوجدُ كلُّ مَا جمعهُ شوقي مِن الطِّرازَينِ الإسلاميِّ والأوروبيِّ، تتوسطهُ قاعةٌ البروفاتِ الخاصَّةِ بمسرحيَّاتِهِ الشعريَّةِ، كمَا يوجدُ بهَا أغلبُ أصولِ المسوَّداتِ الخاصَّةِ بكتابةِ القصائدِ التِي ألَّفَها، ومخطوطاتِ الأغانِي بخطِّ يدهِ، وبجانبِهَا قاعدةٌ رخاميَّةٌ عليهَا تمثالٌ نصفيٌّ لشوقي؛ تمَّ إهداؤهُ لهُ مِن أحدِ روَّادِ فنِّ النَّحتِ الحديثِ، اللبنانيِّ «يوسف الحويك» فِي عامِ 1927م، بمناسبةِ حصولهِ علَى إمارةِ الشعرِ العربيِّ، ومدوَّن علَى قاعدةِ التمثالِ ذكرَى تنصيبِ شوقي أميرًا للشعراءِ فِي عامِ 1927م.
أما المكتب الذي سطر فيه شوقي أروع وأجمل القصائد الغنائية، فيطل على نهر النيل مباشرة، على أحد جدرانه صورة تجمعه بالزعيم الخالد «سعد زغلول»؛ الذي كانت تجمعه بشوقي صداقة متينة، وكانا دائماً يلتقيان، ولقد حزن شوقي بعد وفاته، ونظم أكثر من قصيدة في رثائه.
ومن الأجنحةِ المهمَّةِ فِي المتحفِ مَا يُسمَّى بجناحِ «الضيافةِ»، والذِي عاشَ فيهِ الموسيقارُ «محمد عبدالوهاب» تسعَ سنواتٍ، ولحَّنَ فيهِ العديدَ من قصائدِ شوقي، مثل «مضناكَ جفاهُ مرقدهُ»، وكذلكَ قصيدة «النِّيل نجاشِي»، وقصيدةِ «دمشق».
وفي المكتبةِ تجدُ أشهرَ مقتنياتِ شوقي الخاصَّةِ، وتضمُّ مئاتِ الكُتبِ، وتحتوِي بعضَ صفحاتهَا علَى مسوَّداتٍ بخطِّ الشَّاعرِ، وصورة نادرة لنابليون في شبابِهِ، وأُخْرَى لزوجتِهِ «خديجة شاهين»، وابنتهِ «أمينة»، بالإضافةِ لحفيدتِهِ «خديجة».
وحظيتِ الكرمةُ بزيارةِ الفيلسوفِ والشاعرِ الهنديِّ «رابندرانات طاغور»، الذِي أقامَ لهُ شوقي حفلَ تكريمٍ دعَا إليهِ الأدباءَ والكبراءَ والزعماءَ، وغنَّى فيهِ محمد عبدالوهاب -لأوَّل مرَّة- أغنيةً من مسرحيَّةِ مصرعِ كليوباترا: «أنَا أنطونيو وأنطونيو أنَا».
وأختمُ بصالونِ شوقِي اليوميِّ؛ الذِي نالَ شهرةً كبيرةً فِي تلكَ الفترةِ، استقبلَ فيهِ روَّادَ ورموزَ الحركةِ الأدبيَّةِ من مصريِّينَ وعربٍ وأجانبَ، وقدْ أسَّسهُ علَى الطرازِ الفرنسيِّ، حيثُ تمَّ طلاؤهُ بماءِ الذَّهبِ، ويضمُّ بينَ جنباتِهِ مقتطفاتٍ من مسرحيَّاتِهِ.