Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
فاتن محمد حسين

ملتقى الشعر الخليجي.. إبهار الثقافة والأدب

A A
‏بالرغمِ من إنشاءِ هيئةِ الأدبِ والنشرِ والترجمةِ في عامِ ٢٠٢٠م؛ ‏إلَّا أنَّ نشاطاتِهَا ‏وأعمالَهَا تطبقُ الآفاقَ؛ لمَا قامتْ بهِ مِن خلالِ ستة عشر قطاعًا ثقافيًّا: فِي ‏اللغةِ، والتراثِ، والكتبِ، والموسيقَى، ‏والأفلامِ، والفنونِ الأدائيَّةِ، والشعرِ، والكتابةِ، والمتاحفِ، وفنونِ الطَّهيِّ، والأزياءِ.. ‏وقُدِّمت ‏مِن خلالِهَا مبادراتٌ إبداعيَّةٌ واجتماعيَّةٌ وثقافيَّةٌ، ساهمتْ في دعمِ الحِراكِ الثقافيِّ الأدبيِّ. ولعلَّ من أهمِّها (ملتقَى الشعر الخليجي)، ‏والذِي عُقدَ بالتعاونِ معَ الأمانةِ العامَّةِ لمجلسِ التعاونِ الخليجيِّ، وقدْ سعدتُ بدعوتِي ومجموعةٍ من مثقَّفِي وأدباءِ مكَّة المكرَّمة لحضورِ هذَا الملتقَى؛ الذِي يعزِّزُ فرصَ التواصلِ الثقافيِّ والأدبيِّ بينَ الشعراءِ والمثقَّفِينَ والمفكِّرِينَ والنُّقَّادِ.

‏وقد كانتْ كلمةُ المملكةِ التِي قدَّمهَا عميدُ أكاديميَّةِ الشعرِ بالطَّائفِ د. منصور بن محمد مريسي الحارثي؛ مفعمةً إبداعيَّةً بالترحيبِ، ووطنيَّةً بامتيازٍ، وأهميَّة التواصلِ بينَ شعراءِ وأدباءِ خليجِنَا ‏العربيِّ ومفكِّريهِ ونقَّادهِ؛ تجسيدًا لإرادةِ قادتِنَا الذِينَ يؤمنُونَ بأهميَّةِ الفعلِ الإبداعيِّ، وتحقيقِ المساهمةِ فِي بناءِ الحضارةِ الإنسانيَّةِ. ولَا غروَ أنْ ‏تكونَ الكلمةُ في مستوَى الحدثِ، فهذَا الشبلُ مِن ذاكَ الأسدِ، فوالدهُ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي، أستاذُ الأدبِ والنقدِ فِي جامعةِ أُمِّ القُرَى، وتزخرُ المكتبةُ السعوديَّةُ بالكثيرِ من مؤلَّفاتِهِ الأدبيَّةِ القيِّمَةِ.

وكانتِ الافتتاحيَّةُ البانوراميَّةُ مبهرةً، حيثُ قدَّمتِ الفنَّانةُ أضوى شنان: أغنيةَ الفنَّانِ طلال مداح؛ (كمْ تذكَّرتُ سويعاتِ الأصيلِ.. وصدَى الهمساتِ مَا بينَ النخيلِ.. أنتَ فِي حبِّكَ وأنَا فِي حُبِّي.. وأرَى الذِّكرَى دواءً للعليلِ.. فاتَّقِ اللهَ فِي حُبِّي يَا حبيبُ)، فأهاجتْ ذكريات الطربِ الأصيلِ.

حقيقةً، كانتِ الاحتفائيَّةُ مبهرةً بكلِّ المقاييسِ، وكونهَا فِي الطَّائفِ أعطَى زخمًا ثقافيًّا لهَا، ففِي هذهِ الديارِ وضعَ عمالقةُ الشعرِ العربيِّ قصائدَ خلَّدهَا التاريخُ، مثل: النابغةِ الذبيانيِّ، وقس بن ساعدة.. وغيرهمَا، ولأنَّنا بهذَا الملتقَى نُحيي الماضيَ التليدَ؛ ‏خاصَّةً بوجودِ المعرضِ الذِي عُرضتْ ‏فيهَا ‏المعلَّقاتُ وفنونٌ تشكيليَّةٌ متنوِّعةٌ.. ‏كمَا كانَ التنظيمُ رائعًا من حيث الاستقبالِ وكرمِ الضيافةِ.

‏وقدْ جمعتِ ‏الأمسياتُ خلالَ يومَينِ 12 شاعرًا وشاعرةً من مختلفِ دولِ الخليجِ العربيِّ، وتنوَّعتْ فيهَا أغراضُ الشعرِ مَا بينَ الغزلِ والمدحِ، ‏والوصفِ، والاعتذارِ، واستُخدمتْ مفرداتٌ تظهرُ عمقَ العاطفةِ فِي الحُبِّ، وألمِ الفراقِ والهجرِ وغيرهَا.. ‏بلْ يمتدُّ بعضُهَا ليشملَ استخدامَ المفاهيمِ الدينيَّةِ فِي النصِّ، مثلِ مَا قدَّمتهُ الشاعرةُ السعوديَّةُ تهاني الصبيح في قصيدتِها، فتقولُ:

‏يصبحُ الشعرُ والمعنَى بأحرفِهِ

أوْ بالتجلِّي الذِي يسمُو بِهِ ربَا

من جانبِ الطورِ كانَ الحبُّ مفردةً

مِن السماءِ ونجمًا ثاقبًا هبًّا

وكانَ فِي يوسفَ وجهُ لطافتِهِ

كادتْ بخفَّتهَا أنْ توقدَ الجَبَّا

وكانَ غيبًا لإسماعيلَ مختزلًا

بالأمنياتِ ونحرًا ينتشِي حبًّا

- ‏كمَا قدَّمتِ الشاعرةُ هند المطيري إبداعًا شعريًّا دينيًّا في المقهَى الثقافيِّ، فترنَّمتْ:

قلتُ دَعيهِ فتلكَ حالٌ لنْ تدومَ

وَلسوفَ ينتصرُ الضعيفُ علَى الظَّلوم

يومَ القيامةِ سوفَ يلقَى وعدَهُ

وَترينَ مَا يُشفِي ويُبرِي الكلوم

فأجابتْ: لَا أرجُو ولستُ أريدَهُ

حتَّى ولوْ بُعثتْ معِي تلكَ الهموم

وعفوتُ حتَّى لَا أراكَ مجدَّدًا

يومَ القيامةِ حينَ تجتمعُ الخصوم

‏فما أروعَ أن تكونَ ثقافتنا الإسلامية العربية، وقيمنا ضافية في المعاني الشعرية، والتي هي جزء مهم من حضارتنا التي تميزنا عن الحضارات الأخرى.. ومع ذلكَ حفلت معظم القصائد باستخدام ‏المفردات التي تعبر عن البيئة العربية، واستخدام كلمات مثل: الصحراء، البيد، الرماح، الريح، ‏السيف، الراية؛ مما يدل علَى تجذرهَا ‏في الثقافة الخليجية.

‏‏ولعلَّ وجودَ وصلاتٍ موسيقيَّةٍ تراثيَّةٍ بينَ الفقراتِ تعزِّزُ العلاقةَ بينَ دولِ الخليجِ العربيِّ، وتذكِّرُ بالروابطِ القويَّةِ، منهَا: مِن بحرِ جدَّة إلى شرقِ قطر؛ للفنَّان محمد عبده، وابرقِي يَا بروقِي وارعدِي يَا رعودِي.. السُّعودي عُمانِي والعُمانِي سُعودِي.. وغيرهَا مِن الوصلاتِ التِي ‏تشعركَ بنشوةِ التلاحمِ الاجتماعيِّ، والسياسيِّ، والثقافيِّ والحضاريِّ بينَ دولِ الخليجِ ككتلةٍ واحدةٍ.

وأمَّا المنظِّمُون (لقافلةِ أدباءِ مكَّة)، وهُو الاسمُ الذِي ‏أطلقهُ عليهَا الأستاذُ مشهور الحارثي، ‏ويدعمهُ فِي التنظيمِ الأستاذُ محمد الحارثي، فعملُوا علَى إدخالِ السعادةِ علَى المشاركِينَ، وتحفيزِ شعراء وشاعراتِ مكَّة علَى عملِ أمسيةٍ شعريَّةٍ في حافلةِ العودةِ.

وربما همسة أخيرة لهيئة الأدب والنشر والترجمة: لماذا لم يتم إشراك شعراء وشاعرات مكَّة في المناسبة، ‏ولدينا -على سبيل المثال- ‏الشاعرة أنصاف بخاري، ‏والشاعرة د. خديجة صبان؟!.

كما لابدَّ ‏من الاحتفاء بالمواهب ‏الإبداعية الشابة، وأنْ يكون هناك تواصل مع التعليم العام والجامعات في تشجيع الإبداعات، سواء في الشعر أو القصة أو الكتابة.. لخلق جيل يتقن اللغة، ويتفنن في الإبداع الأدبي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store