يقول أحدهم؛ قبل سنتين، دبت خلافات بسيطة بيني وبين زوجتي المصون، حول طلباتها المتكررة بالذهاب للكافيه لاحتساء فنجان قهوة مع قطعة شوكلاه، والحقيقة أنني كنت أحاول كسر حدة النقاش بالتعليقات الساخرة، مثل أن أداعبها بقولي: وش عندها الروائية فرجينيا وولف، أو اجاثا كريستي، أو غادة السمان، فيما كنت أضطر أحياناً لتجنب نقمتها، بحملها وأولادها للكافيه الذي تختاره، حتى خارت قواي يوماً، ورحت أفضفض لصديقي الذي أنبني ناصحاً: «اشبع شريكة حياتك بالرقة والحنية، دلعها ومشيها، ولا تخلي كافيه بالمدينة، إلا موديها، وبكذا تضمن حياة زوجية مثالية، مليئة بالمودة والرحمة والتضحية»!!
لقد تحولت ناصية المقاهي من صوالين أدبية تتلاقح فيها أفكار المثقفين، وهموم العمال البسيطين، على براد شاي أبو ثلاثة، إلى منصات موضه استعراضية: سواء للنساء المهووسات بأنواع الكابتشينو والايس وايت موكا، أو لأصحاب الدبابات الذين بلغوا الخمسين وعقولهم لا تزال متوقفة بعتبات المراهقة، أو لفئة (الشوقر دادي) الذين تحولوا من كثرة جلوسهم بأماكنهم والأكسسوارات التي تزينهم إلى مجسمات (مانيكان)!!
وفقًا لدراسة أجرتها شركة «ستاتس آند ماركيتس» في عام 2023، بلغ عدد المقاهي بالسعودية حوالى 60 ألف كوفي، جاءت الرياض الأكثر بحوالي 15 ألف مقهى، تليها جدة بـ10 آلاف مقهى، ثم الدمام بـ5 آلاف مقهى، كما أوضحت الدراسات الأخرى أنه: تبلغ قيمة سوق القهوة في السعودية حوالي 6 مليارات ريال، ويستهلك السعوديون حوالى ملياري كوب من القهوة سنويًا، وأن سوق القهوة ينمو بالسعودية بنسبة 5-6٪ سنويًا، وقد أصبح السعوديون أكثر اهتمامًا بجودة القهوة التي يتناولونها، ويبحثون عن الكافيهات التي تقدم القهوة المختصة!!
كما أوضحت الدراسة، عدة عوامل ساهمت بنمو صناعة المقاهي، مثل: زيادة الوعي بأهمية القهوة، زيادة عدد السكان، زيادة الدخل والنمو الاقتصادي، ومع تقديري لها، إلا أنني أرى بأن أهم عوامل إدمان المجتمع للقهوة -خاصة النساء- هو الانجراف خلف موضة الانفتاح، انعدام الشعور بالمسؤولية تجاه النواحي المادية، مكونات القهوة التي قد تحتاج لفحوصات مخبرية لإثبات خلوها من المؤثرات العقلية، وحملة مشددة تحت شعار «لا للقهوة» تقودها جمعية حماية الأسرة!!
وعودة لحكايتنا، يكمل راويها: لا أعلم كيف استمعت لنصيحة صديقي المتصنع، فقد أدمنت زوجتي القهوة المختصة، التي تصل قيمتها 32 ريالاً، ليس هذا فقط، بل أصبحت تشرب أكثر من كوب باليوم لتحميلها بطاقة (ولاء) التي تمكنها من الحصول على مشروب مجاني بعد استهلاك 12 كوباً، ليس هذا فقط، بل أصبحت تذهب برفقة أمها وأخواتها -دون أذني- وتباشر من نسخة صرافتي، ليس هذا فقط، بل اصبحت من كثر تناول القهوة لا تنام فتظل تطلب وتنقم فوق رأسي حتى بلغت حمم مشاكلنا المصيرية (فوهة الطلاق)!!
لذلك، يكفي الرجل في هذا الزمن، أعباء فواتير الخدمات الأساسية، والأقساط البنكية، والمصاريف العائلية، وعلى جمعية حقوق الإنسان، ودار الحماية، سرعة التحرك لتوعية المجتمع -خاصة النساء- من مغبة الإفراط في تناول أنواع القهوة، أو زيارة الكافيهات الغالية، حتى لا يدفع الرجل (فاتورة القهوة) مرتين، مرة لدى الكاشيرة من وراء ظهره، ومرة بتحمله تبعات المشاكل الزوجية والقضايا الأسرية!!