فَرِغَ (فُلانٌ) مِن فطورِهِ فِي السَّاعةِ التَّاسعةِ صباحًا، وبدأَ يتجهَّزُ لاستثمارِ مدَّخراتِهِ المتواضعةِ فِي بورصةِ المالِ المعروفةِ بسُوقِ الأسهمِ، طبعًا بالمضاربةِ السَّريعةِ، وليسَ بالاستثمارِ طويلِ الأجلِ، حالُهُ حالُ غالبيةِ المواطنِينَ سواءً المُتداولِينَ العاديِّينَ أو المُتداوِلِينَ الهوامير المليارديرات، حالمًا بأنْ يُوفَّقَ معَ سهمٍ صاعدٍ يُعوِّضهُ خسائرَهُ السَّابقةَ الكبيرةَ، ويَا لَهَا مِن خسائرَ تحقَّقتْ علَى مدَى سنواتٍ كبيساتٍ وطويلاتٍ!.
وجاءتهُ توصيةٌ مِن أحدِ أصدقائِهِ، الذِي هُو بدورِهِ قدْ جاءتَهُ التَّوصيةُ نفسهَا مِن أحدِ أصدقائِهِ، الذِي هُو بدورِهِ قدْ جاءتَهُ التَّوصيةُ نفسهَا مِن أحدِ أصدقائِهِ فِي سلسلةٍ مِن التوصياتِ، ربَّما قدْ تنقَّلتْ بينَ عشراتِ المُتداوِلِينَ، إنْ لمْ يكونُوا مئاتِ المُتداوِلِينَ أو آلافًا!.
كانتِ التَّوصيةُ لِشراءِ سهمِ (س)، وعلَى النَّحوِ التَّالي:
سهمُ (س) - رقمُ السَّهمِ.
شِراءٌ بقيمةِ (كذَا) ريال.
بيعٌ بعدَ تنفيذِ الشِّراءِ بقيمةِ (كذا +) ريال.
واشترَى (فُلانٌ) مئاتٍ مِن سهمِ (س) بقيمةِ (كذَا) المُحدَّدةِ بالتَّوصيةِ، ثمَّ عرضهُ للبيعِ بقيمةِ (كذَا) المُحدَّدةِ بالتَّوصيةِ، وظلَّ ينتظرُ ربحَهُ الحالم، ويُخطِّطُ كيفَ يصرفُ ربحَهُ السَّريعَ المُنتظرَ، هلْ يصرفهُ فِي شراءِ مقتنياتٍ يحتاجُها لهُ ولبيتِهِ وأهلِهِ؟ أو فِي سفْرةٍ داخليَّةٍ أو خارجيَّةٍ؟ أوْ ...؟ أوْ ...؟ أوْ ...؟!.
وفِي نفسِ يومِ الشراءِ تدهورَ سعرُ السَّهمِ، وصارَ بيعُهُ معَ التدهورِ صعبًا لكِبَرِ الخسائرِ، فآثرَ (فُلانٌ) الانتظارَ للغدِ لعلَّ سعرَهُ يرتفعُ، فمَا زادَهُ الغدُ إلَّا خَسَارًا، ومضتِ الأيامُ وسعرُ السَّهمِ يتدهورُ، أحيانًا رُويدًا رُويدًا، وأحيانًا سريعًا سريعًا، و(فُلانٌ) لَا يستطيعُ بيعَهُ لتعاظمِ الخسائرِ، فآثرَ مُكرَهًا لَا بطلًا تحويلَ المُضاربةِ إلى استثمارٍ متوسِّطِ الأجلِ، يعنِي أسابيعَ قليلةً، ثمَّ إلى استثمارٍ طويلِ الأجلِ، يعنِي شهورًا كثيرةً، والسَّهمُ ما زالَ مُستقرًّا في عالمِ الخسائرِ، رغمَ أنَّ شركتَهُ مُستقرَّةً فِي عالمِ الأرباحِ، وهكذَا تعلَّق (فُلانٌ) تعليقةً تُشبهُ تعليقةَ الزَّوجةِ التِي هَجرَهَا زوجُهَا، فلَا هُو طلَّقهَا لتتزوَّجَ بآخرَ، ولَا هُو لمَّ شملَهُ معهَا فِي قفصِ الزَّوجيَّةِ، وبالمناسبةِ هذَا هُو حالُ آلافِ المُتداولِينَ معَ أسهمِهِم وليسَ حال (فُلانٍ)، وكأيِّنٍ مِن (فُلانٍ) وكأئِّنٍ مِن (عِلَّانٍ) هُم في تعليقةٍ علَى حبلٍ من الخسائرِ!.