Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

البنوك السعودية والإقراض الرقمي استراتيجية محورية لتعزيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة

بقلم: أحمد غندور، المدير العام لشركة باك بيس – المملكة العربية السعودية

A A
تلعب الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية دوراً محورياً في دفع عجلة التقدم والتطور في القطاعات الكبرى مثل التكنولوجيا المالية، والتجارة الإلكترونية، والاقتصاد الرقمي، وغيرها لدرجة أنها باتت تشكل عصب الاقتصاد السعودي حيث يزيد عددها حاليا عن 1.2 مليون شركة في المملكة. وإيمانًا بأهمية هذا القطاع المحوري، تسعى المملكة جاهدة ضمن رؤية السعودية 2030 لزيادة إنتاجية الشركات الصغيرة والمتوسطة ورفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 20٪ إلى 35٪ بحلول عام 2030. وفي هذا السياق، تلعب البنوك السعودية دورًا جوهريًا في دعم رؤية 2030 باعتبارها عنصرًا أساسيًا لتحقيق هذه الأهداف الاستراتيجية.

وفي ضوء ما سبق، يتطلب تكوين علاقات مديدة ومثمرة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة الناجحة من البنوك أن تتحلى بالقدر ذاته من المرونة الإدارية بما يتناسب مع طبيعة هذه الشركات. فلا شك أن رواد الأعمال السعوديين الشباب، الذين يعدون من أكثر المستخدمين للفضاء الرقمي، يتوقعون حلولًا مخصصة تنسجم مع الطبيعة الرقمية لشركاتهم. لذا، يجب على البنوك أن تكثف جهودها لدعم هذه الشركات، بما يضمن أمن تدفقاتها النقدية واستدامة سياساتها المالية على المدى الطويل.

ازدياد أهمية الإقراض الرقمي

تنطوي مشاريع الشركات الصغيرة والمتوسطة بطبيعتها على شيءٍ من المجازفة، وقد يكون أداء القروض أحيانًا دون المستوى المطلوب، كما تواجه البنوك منافسة من جهات أخرى في تقديم القروض، مثل الشركات الناشئة المانحة لقروض المشتريات، وشركات التمويل الأصغر، وحاضنات الأعمال، وشركات رأس المال الاستثماري، وعمليات الإقراض بين نظير ونظيره. ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، وباتباع ممارسات العناية الواجبة، يمكن للبنوك السعودية أن تعزز مكانتها كجهات استشارية موثوقة لرواد الأعمال في كافة المجالات بدءاً من تحديد المسار الأمثل للعمل خلال الأوقات الصعبة ووصولاً إلى أساليب إدارة التدفق النقدي.

وتتطلب المساهمة هذا المجال أن يتم الاستثمار في الحلول الرقمية، حيث تكمن الأهمية الكبرى للإقراض الرقمي في كون الشركات الصغيرة والمتوسطة تُقدّم خدماتها بشكل أساسي عبر الهاتف المحمول، مما يُغني عن الحاجة المستمرة لزيارة الفروع إلا في حالات نادرة ولفترات قصيرة. بالإضافة إلى ذلك، تتجنب هذه الشركات الإجراءات المعقدة والطويلة لتقديم الطلبات وانتظار الموافقات. وفي الوقت نفسه، يفضل رواد الأعمال المعاصرون استخدام أساليب عمل سريعة وبسيطة، تتجنب التعامل المباشر المطول مع العملاء، وتوفر لهم حلول تعتمد على التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في إدارة شؤونهم المالية.

ويتجلى الجانب الإيجابي للتحول الرقمي في البنوك السعودية في تجاوزها للتوقعات وليس فقط في نيل رضا العملاء. إذ تمكّنها هذه العملية من الاستفادة من مجموعة من المزايا التي تسهم في تحسين الأداء العام للبنك. وتعتبر الأتمتة التامة للمعاملات، التي تأتي كنتيجة حتمية لهذا التحول، خطوة استراتيجية تهدف إلى خفض تكاليف التشغيل بشكل ملحوظ، وتقليل الحاجة إلى الفروع الكثيرة والمكلفة. كذلك، تساهم هذه الأتمتة في تخفيف العبء عن الموظفين الذين كانوا يقضون ساعات طويلة في معالجة المعاملات الورقية، مما يسمح لهم بتوظيف وقتهم في مهام أكثر إنتاجية. علاوة على ذلك، تستطيع مراكز الاتصال تحسين استغلال مواردها، بتوجيه الكوادر لاستخدام أوقاتهم بطريقة تزيد من فعالية التواصل مع العملاء وتعزيز تجربتهم، ما يعود بالفائدة على البنك وعملائه على حد سواء.

نظام المقاييس

تكشف البيانات التي قدمتها شركة باك بيس (Backbase) عن إمكانيات الإقراض الرقمي، حيث يمكن لهذه التقنية أن تزيد من سرعة معالجة معاملات القروض بنسبة تصل إلى 90٪ وتسريع عملية تقديم طلبات القروض بنسبة 30٪. وتتسم العملية برمتها بالشفافية، حيث يمكن للعملاء الحصول على تحديثات فورية بخصوص معاملاتهم عبر التطبيق الخاص، مما يسهل عليهم متابعة جميع الخطوات بدءًا من تقديم الطلب وحتى صدور قرار الموافقة وما يليه من إجراءات.

تساهم هذه المميزات في تعزيز مستوى رضا العملاء (CSAT) ومؤشر الترويج الصافي (NPS) بشكل كبير، فضلاً عن تقليل الضغط على فرق عمل مركز الاتصال. أيضًا، يفتح الإقراض الرقمي الأبواب أمام تطوير قطاع الائتمان المضمن، وهو قطاع يتوقع له أن ينمو إلى 15 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. كما يُسهم الإقراض الرقمي أيضاً في تقليل المخاطر بشكل فعّال من خلال اسناد عملية صنع القرار إلى بيانات دقيقة وموثوقة. ففي منطقة الشرق الأوسط، تبلغ نسبة القروض المتعثرة حوالي 7.5٪ من إجمالي القروض، ومع استخدام التحليلات المتقدمة، يمكن تحسين آليات تقييم القروض بشكل كبير، مما يشكل ميزة كبرى لقطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الذي يتسم بالمخاطر العالية.

كما توفر المنصات الرقمية للإقراض إمكانية الوصول إلى جميع التفاصيل المتعلقة بقروض العملاء، مما يعزز الشفافية ويمكنهم من اتخاذ قرارات مالية مستنيرة. وتلعب البيانات المالية التاريخية للعملاء وتفضيلاتهم دوراً محورياً في توجيه عملية الإقراض، مما يسمح باتخاذ قرارات أكثر دقة. في الظروف المثالية، يمكن أتمتة قرارات الإقراض بحيث تُعالج طلبات المرشحين ذوي الأولوية بسرعة أكبر. وفي حالات تتطلب تدخلًا بشريًا، يُمكن للموظفين الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة لتقديم التحليلات اللازمة، مما يُعزز من كفاءة وفعالية عملية المراجعة والموافقة على القروض.

لوحات البيانات ومجموعات الأدوات-القطاع المصرفي

تتيح منصات الإقراض الرقمي للبنوك السعودية الفرصة لتحويلها إلى مستشارين موثوقين وشركاء حقيقيين للشركات الصغيرة والمتوسطة داخل المملكة حيث توفر هذه المنصات لمؤسسي الشركات أدوات قوية مثل لوحات البيانات المخصصة، التي تعرض الصحة المالية و مقاييس السلامة المالية بطريقة سلسة وفعّالة. يستطيع قادة الأعمال رؤية كل ما يتعلق بأعمالهم في لوحة تحكم واحدة .إذ تمكن هذه الأدوات روّاد الأعمال من متابعة كل ما يتعلق بأعمالهم عبر لوحة بيانات واحدة بدلاً من الاضطرار إلى تخصيص جزء من وقتهم يومياً لإدارة شؤونهم المالية، ولا شك بأن البنوك التي تقدم هذه الخدمات ستكسب ولاء رواد الأعمال بل سيسهم ذلك في زيادة التعاملات المالية معها، مما يعزز مكانتها كحليف استراتيجي في القطاع المصرفي.

تتيح استراتيجيات الإقراض الرقمي فرصًا كبيرة للبيع العابر والإضافي، مما يرفع البنوك من مجرد مزودي خدمات مالية إلى مستشارين موثوقين. تمكن هذه المنصات رواد الأعمال من إدارة شؤونهم المالية بكفاءة عبر واجهة رقمية موحدة، مما يسهل على المستخدمين الوصول إلى مجموعة واسعة من الخدمات الذاتية. بدون الحاجة للتنقل بين مصادر متعددة، يمكن لصناع القرار الوصول إلى المنتجات المناسبة بسهولة وبدء عملية التقديم بنقرات قليلة. هذه الميزات تجعل منصات الإقراض الرقمي خيارًا مفضلاً للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسعى للجمع بين الكفاءة والراحة في إدارة شؤونها المالية.

التحول من مزود خدمة إلى جهةٍ استشارية

يتطلع مؤسسو الشركات السعودية إلى خدمات مصرفية معاصرة تتماشى مع التطورات السريعة في عالم الأعمال، وهو ما يمكن أن تقدمه المنصات الرقمية للإقراض بكفاءة وجودة عالية، الأمر الذي يصب في مصلحة البنوك أيضاً، مما يقلل من المخاطر المحتملة ويرتقي بالجهة المانحة للخدمة إلى مرتبة "جهة استشارية موثوقة".

ويأتي رأس المال في قمة هرم الأولويات لأي شركة صغيرة أو متوسطة، فمن خلال توفير خدمات إقراض رقمية آمنة وفعالة، تستطيع البنوك معالجة إحدى أهم القضايا التي تواجه رواد الأعمال، إذ من شأن الثقة التي تزرعها هذه الخدمات أن ترسي أسس علاقة عمل طويلة ومثمرة، وأن تمهد الطريق للترويج الناجح لمزيدٍ من المنتجات والخدمات، إلى جانب تحويل البنك إلى وجهةٍ شاملةٍ وموثوقة تلبي جميع الاحتياجات المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة