هناك العديد من المفاهيم التي كثيراً ما يتم تداولها بشكل تبادلي خاطئ؛ على أنها تحمل نفس المعنى الذي يتضمًّن الإشارة للإجراءات والأنشطة التي يقوم بها بلد ما؛ بغرض إيصال صورة إيجابية عنه للمتلقي الخارجي، في حين أن هناك اختلافات (وتداخل) بين كل منها والمفاهيم الأخرى.. وهذه المفاهيم هي:
- العلامة التجارية للدول Nation Branding.
- تسويق الدول Nation Marketing.
- العلامة التجارية للمكان Place Branding.
- العلامة التجارية للوجهات Destination Branding.
ونظراً لأهمية هذه المفاهيم وتكرار تداولها لدينا في المرحلة الراهنة، فسوف أحاول فيما يلي توضيح الفروقات بينها بشكل موجز وسريع.
بدايةً، فإن العلامة التجارية للدول تشير إلى الإجراءات والأنشطة التي تقوم بها الدول لصناعة صورة إيجابية وفريدة لنفسها بأذهان الناس في الدول الأخرى؛ عبر تطوير هوية مميزة تُحسن سمعتها وتزيد جاذبيتها وتأثيرها الدولي، وتمنحها ميزة تنافسية أفضل في الأسواق العالمية، ويشمل ذلك زيادة الاستثمارات والصادرات والسياحة والكفاءات البشرية.
ولتوضيح الفرق بين مفهومي العلامة التجارية للدول، وتسويق الدول، فإن «العلامة التجارية للدول» تقوم ببناء السمعة على المدى الطويل، وذلك بوضع وصياغة الأساس الذي تقوم عليه السرديات والقصص التي يُرَادُ إيصالها للآخرين عبر «تسويق الدول»، ويتضمَّن ذلك الإجابة على سؤال: «ماذا نريد أن نكون؟» وما هي الصورة والانطباع الذي نرغب في ترسيخه في ذهن الآخرين عن بلدنا، بشكلٍ يحفزهم ويثير اهتمامهم للقدوم إليه بغرض السياحة أو الزيارة أو الاستثمار أو التعليم، أو غير ذلك؟ ومن الأنشطة المتعلقة بهذا الخصوص، تطوير الشعارات وصياغة الرموز، وغيرها من عناصر الهوية الوطنية.
في حين يتولى «التسويق» بعد ذلك، الجوانب ذات الطابع التكتيكي مثل حملات الترويج والإعلان، وأنشطة شبكات التواصل الاجتماعي والتدوين. ومن الضروري جداً لأي عملية صياغة للعلامة التجارية للدولة، أن تأخذ في الاعتبار تاريخ البلد وثقافته وقيمه، وحدود دوره الإقليمي والدولي، وإمكاناته الاقتصادية، وخصائصه الجغرافية، حيث إن كافة هذه العوامل تلعب دوراً أساسياً في دقة الصياغة والتقييم.
وبالنسبة للعلامة التجارية للمكان، فهو مفهوم أكثر شمولية من «الوجهات»، حيث يتضمن الإجراءات الرامية لصناعة هوية فريدة وبناء سمعة وصورة جيدة لأي موقع جغرافي (مدينة أو منطقة أو دولة)، بشكل يجعل ذلك المكان يتميز بشكل إيجابي عن غيره، ويساهم في زيادة قدرته على جذب الأنشطة التجارية والاستثمارات والزوار والكفاءات البشرية، ويرفع مستوى جودة الحياة لسكانه، وشعورهم بالاعتزاز والفخر به.
وفي المقابل فإن العلامة التجارية للوجهات هي نوع محدد من أنواع صناعة العلامة التجارية للأماكن، يهدف بشكل خاص لزيادة السياحة وجذب الزوار، وتقديم تلك الوجهة لهم باعتبارها مكاناً مميزاً يحقق لهم تجربة محببة ترسخ في ذاكرتهم. ويختلف تسويق الوجهات السياحية بدوره عن تسويق الدول بكونه يتسم بالبساطة وعدم التعقيد، فعندما تتوفر الوجهة ذات الجاذبية ويتم تسويقها بطريقة جيدة، فسوف يؤدي ذلك إلى إقبال الناس على الحضور للسياحة في البلد. وحضورهم للبلد هو أمر، بينما عودتهم لزيارته مرة أخرى هو أمر آخر مختلف، لأن هذا يتوقف على مدى تقييمهم لجودة تجربة الزيارة الأولى ورضاهم عنها.
وفي ما يتعلق بالفرق بين «تسويق المكان» و»تسويق الوجهات»، فإن كلمة «مكان» هي أكثر اتساعاً وشمولية من كلمة «وجهة»، فهي تتضمَّن كافة الأنشطة الاقتصادية والانطباعات المرتبطة بها، وليست مرتبطة فقط بالأنشطة السياحية.
ففي حين يتركز اهتمام إستراتيجية «تسويق الوجهات» و»العلامة التجارية للوجهات» على جانب السياحة، فإن إستراتيجية «تسويق المكان» و «العلامة التجارية للمكان» يتركز اهتمامها بشكل أشمل على كافة الجوانب المتعلقة بتفاعل المكان مع بيئته الخاصة، ويشمل ذلك السياسة، الاستثمار الخارجي، التجارة، الهجرة، وقضايا الإعلام، وهي إستراتيجية تسعى لتحفيز الأشخاص المستهدفين - ممن يملكون الكفاءة والموهبة والمهارة والملاءة المالية- لاختيار وتفضيل مكان معيَّن أكثر من غيره، للعيش أو الدراسة أو الزيارة أو الاستثمار.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
