شكَّلتِ المعاركُ بينَ كبارِ الأدباءِ والمثقَّفِينَ وجهًا أدبيًّا وإبداعيًّا، وكانتْ هذهِ المعاركُ تبدأُ بطرحِ وجهةِ نظرٍ حولَ عملٍ أدبيٍّ أو إبداعيٍّ، وهِي ليستْ حديثةً، فقدْ شهدتِ الحضاراتُ -علَى امتدادِ المعروفِ مِن التاريخِ- فيضًا يصعبُ رصدهُ مِن المعاركِ الفكريَّةِ بينَ الأدباءِ والمفكِّرِينَ.
ففِي فترةِ ازدهارِ الأدبِ فِي بدايةِ القرنِ الماضِي، كانَ الردُّ -دائمًا- يأتِي بأسلوبٍ أدبيٍّ رفيعٍ، فقدْ أوردتْ مجلةُ «القافلةِ»، بأحدِ أعدادِهَا تعريفًا لهذهِ المعاركِ بالقولِ: «إنَّ أبطالَهَا أدباءٌ... القلمُ سلاحُهَا الوحيدُ.. وضحايَاهَا يتساقطُونَ بلَا دماءٍ».
ومن أشهرِ المعاركِ، تلكَ التِي وقعتْ بينَ «عبَّاس العقَّاد» و«أحمد شوقي»، وصفهَا الكاتبُ «أنور الجندي»، في مقالةٍ لهُ فِي مجلَّةِ «الهلال» بعددِ إبريل عام 1967م، بقولِهِ: «بدأهَا العقَّادُ بمقالاتِهِ فِي «الديوان» عامَ 1922م، ووسَّعهَا بنقدهِ فِي يومِ تكريمِهِ والاحتفالِ بيوبيلِهِ عامَ 1927م، ثمَّ والاهَا بنقدِهِ رواية «قمبيز في الميزان»، وممَّا قالهُ العقَّادُ عَن شوقي، ما يَلِي: «كُنَّا نسمعُ الضَّجةَ التِي يقيمُهَا شوقي حولَ اسمهِ فِي كلِّ حينٍ، فنمرُّ سُكوتًا، كمَا نمرُّ بغيرِهَا مِن الضَّجاتِ فِي البلدِ، لا استضعافًا لشهرتِهِ، ولَا لمنعهِ فِي أدبِهِ عَن النَّقدِ، فإنَّ أدبَ شوقي ورصفائِهِ مِن أتباعِ المذهبِ العتيقِ، هدمهُ -فِي اعتقادِنا- أهونُ الهيناتِ، ولكنْ تعففًا عن شهرةٍ يزحفُ إليهَا زحفَ الكسيحِ، ويضنُّ عليهَا من قولِهِ الحقَّ ضنَّ الشَّحيحِ».
وواصلَ العقَّادُ هجومَهُ على «شوقي»، ففِي مناسبةِ تكريمٍ بإطلاقِ لقبِ «أميرِ الشعراءِ عليهِ»؛ كتبَ العقَّادُ -في صحيفةِ «البلاغِ» عامَ 1927م- قائلًا: «إنَّ لنَا فِي شعرِ «شوقي»، وفِي صاحبِ الشِّعرِ رأيًا معروفًا، لا يحوِّلنَا عنهُ مَا يحوِّلُ الناقدِينَ والكاتبِينَ فِي البلادِ، أمَّا الشعرُ فمجملُ رأيِنَا فيهِ أنَّه لمْ يرتفعْ بنفسِ قارئٍ واحدٍ إلى أفقٍ فوقَ أفقهِ، ولمْ يفتحْ لقارئٍ واحدٍ نهجًا من الإحساسِ أوسعَ مِن نهجهِ، ولمْ يعلمْ أحدًا كُنهَ الحياةِ، ولا زيَّنَ لأحدٍ شيئًا مِن صورِ الحياةِ».
إنَّ مدار القضية بين «العقاد» و»شوقي» -في نظر الدكتور «أسامة موسى»- تمثل في قيمة الشعر وغايته؛ فالشعر عند «العقاد» -والكلام لموسى- هو التعبير عن الحياة، وعن الوجدان الإنساني، بينما عند «شوقي» هو مهارات لفظية ولغوية وبلاغية غايتها أنْ تبهر السامعين.
وتُعدُّ المعركةُ التِي وقعتْ بينَ الدكتورِ «زكي مبارك»، والدكتورِ «طه حسين»، مِن أكبرِ المعاركِ الأدبيَّةِ التِي وقعتْ فِي تاريخِ الأدبِ العربيِّ المعاصرِ، فقدْ امتدَّتْ لمدَّةِ تسعِ سنواتٍ مِن 1931م، إلى 1940م، وبدأتْ بعودةِ «زكي مبارك» إلى مصرَ عامَ 1931م، وبعدَ حصولِهِ علَى الدكتوراةِ مِن «السوربون»، عُيِّنَ بعدَهَا بعقدٍ للعملِ فِي الجامعةِ المصريَّةِ، بدأَ المعركةَ «طه حسين» عندمَا قالَ عَن كتابٍ ألَّفهُ «زكي» بعنوانِ «النثرُ الفنيُّ فِي القرنِ الرابعِ الهجريِّ»: «إنَّه كتابٌ مِن الكتبِ، ألَّفهُ كاتبٌ مِن الكُتَّابِ».
ولمَّا عادَ «طه حسين» إلى الجامعةِ بعدَ إقالتِهِ منهَا، رفضَ تجديدَ عقدِ «زكي» للعملِ بوظيفةِ مدرِّسٍ بكليَّةِ الآدابِ. فكتبَ «زكي مبارك» مقالةً جاءَ فيهَا: «لقدْ ظنَّ طه حسين أنَّه انتزعَ اللقمةَ مِن يدِ أطفالِي، فليعلمْ لوْ جاعُوا، لشويتُ طه حسين، وأطعمتهُم لحمَهُ، ولكنَّهُم لنْ يجوعُوا مَا دامتْ أرزاقُهم بيدِ اللهِ».