خلايَا الجسمِ البشريِّ ينتابُهَا أثناءَ النَّهارِ، وخلالَ فترةِ الحياةِ شيءٌ مِن التَّعبِ والخَلَلِ، ويلحقُهَا بعضٌ مِن الضعفِ والمرضِ؛ نتيجةَ تحميلِهَا مَا لَا تطيقُ مِن الإجهادِ، أو عدمِ تغذيتِهَا التَّغذِية الصَّحيحة، أو تعرضهَا لظروفٍ وأحوالٍ نفسيَّةٍ وضغوطٍ حياتيَّةٍ؛ ممَّا يجعلهَا بحاجةٍ للإصلاحِ، وتشيرُ الأبحاثُ الحديثةُ إلى أنَّ النَّومَ الليليَّ هُو الوقتُ المناسبُ للإصلاحِ، بمَا يماثلُ الفحصَ الدوريَّ اليوميَّ، مِن خلالِ الجهازِ المناعيِّ والمكوِّناتِ البيولوجيَّةِ الأُخْرَى المساندةِ مِن الغُددِ، وأجهزةِ التحكُّمِ العصبيَّةِ والخلايَا الدِّماغيَّةِ لإعادةِ الصحَّةِ إلى الخلايَا، بل ان هناك ابحاث تشير ان الخلايا النجمية الدماغية تلتهم المشابك العصبية synapse في حالة عدم النوم الليلي.
إنَّ مِن أخطرِ الأمورِ التِي تسرِّعُ بالأمراضِ فِي جسمِ الإنسانِ هِي عدمُ النَّومِ الليليِّ، الذِي لَا تُفتحُ ورشةُ إصلاحِ الخلايَا إلَّا فيهِ، ولَا تعملُ إلَّا فِي ظلامِهِ، حيثُ إنَّ جزءًا مِن مهامِّ جهازِ المناعةِ لَا يستطيعُ أنْ يقومَ بهَا إلَّا أثناءَ النَّومِ، حيثُ تطلقُ خلايَا الجسمِ السيتوكيناتِ، وهِي بروتيناتٌ تعملُ وسيطًا كيميائيًّا لتقويةِ جهازِ المناعةِ، وهُو مَا يفسِّرُ لنَا الرغبةَ للنَّومِ عندَ المرضِ، أو التَّعبِ، كذلكَ أثناءَ النَّومِ يتمُّ إفرازُ الناقلاتِ العصبيَّةِ التِي تلعبُ دورًا كبيرًا فِي النَّواحِي النفسيَّةِ والاستقرارِ النفسيِّ عبرَ هرموناتِ الدوبامين والسيروتونين، لذلكَ يعانِي البعضُ مِن تقلُّبِ المزاجِ والأفكارِ السلبيَّةِ؛ بسببِ عدمِ المحافظةِ علَى توازنِ ناقلاتِهِ العصبيَّة، وفِي مرحلةِ النَّومِ الليليِّ العميقِ يكونُ الدماغُ أكثرَ نشاطًا، وتترتَّبُ خلالَهُ ملفَّاتُ الذكرياتِ، وتنتظمُ داخلَهُ تحليلُ المعلوماتِ، وتُجرِي لهُ صيانةَ فحصٍ كاملة لخلايَاه الدِّماغيَّةِ، وتكونُ هناكَ فرصةٌ للتخلُّصِ مِن النفاياتِ الخلويَّةِ، أو الجزيئاتِ الضَّارَّةِ.
إنَّ الله -سبحانه وتعالى- جعل في النوم الليلي كل معاني السكون والهدوء، الذي يشمل كل الأجهزة البيولوجية، فالجهاز العصبي تتمتع خلاياه بانخفاض التوتر والضغط، والجهاز الهضمي ترتاح أعضاؤه من ضنك العمل الإنزيمي وفرصة لجميع الخلايا في الجسم أن تستجمَّ من عناء الخدمة النهارية المتواصلة، حتَّى أنَّ اللهَ -سبحانَهُ وتعالَى- وصفَ النَّومَ الليليَّ بحالةٍ مِن الهدوءِ تشبهُ الوفاةِ فِي قولِهِ تعالَى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ)، ففِي اللَّيلِ تدخلُ الأجسامُ كمَا الأنفسِ فِي حالةٍ مِن الهدوءِ؛ لتتمَّ خلالَهَا الصيانةُ الدوريَّةُ اليوميَّةُ للخلايَا، وتُزوَّد بمَا يُصْلحُ شأنَ الجسمِ في اليومِ التَّالِي.
هناكَ اكتشافٌ مَا يُعرفُ بحويصلاتٍ خارجَ الخلايَا (الإكسوزومات، الإكتوسومات، الإكسومير، السوبرمير)، والعديدِ من الجزيئاتِ الدقيقةِ الأُخْرى التِي تفرزهَا الخلايَا، خاصَّةً أثناءَ النَّومِ فِي اللَّيلِ التِي لمْ يُحدَّدْ -إلى الآنَ- مهمتهَا فِي الصيانةِ الدوريَّةِ للخلايَا؛ ممَّا يحتاجُ إلى مزيدٍ مِن البحثِ العلميِّ، (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).