- العُرفُ الاجتماعيُّ، عاداتٌ وتقاليدٌ عامَّةٌ ثابتةٌ نسبيًّا، بمرجعيَّةٍ ثقافيَّةٍ تاريخيَّةٍ، وهِي مقبولةٌ تحظَى بالاحترامِ، ويتشاركُهَا مجموعةٌ من النَّاسِ فِي بيئةٍ معيَّنةٍ، بعدَ تراضِيهِم وتوافُقهِم عليهَا؛ بهدفِ ضمانِ نظامٍ سُلوكيٍّ يتبعهُ أفرادُ مُجتمعٍ مَا، يُشعرهُم بالرِّضَا والاطمئنانِ بأنَّ كلَّ شيءٍ يسيرُ علَى ما يُرامُ، بغضِّ النَّظرِ عَن صحَّةِ ذلكَ. وبهذَا، يُمكنُ لبعضِ التَّقاليدِ والأعرافِ الاجتماعيَّةِ، أنْ تُكرِّسَ النَّمطيَّةَ والجُمودَ، وتُعرقلَ اتِّباعَ المَنطقِ السَّليمِ، وتحدَّ من إمكانيَّةِ ظهورِ الإبداعِ والعبقريَّةِ.
- ولَا يعنِي ذلكَ أنَّ الامتثالَ لهذهِ القواعدِ الاجتماعيَّةِ أمرٌ سيِّئٌ بالضَّرورةِ، فهذَا الامتثالُ يوفِّرُ قدْرًا مِن الأمانِ المُجتمعيِّ، ويضمنُ نوعًا مِن التَّنظيمِ والتَّعاونِ الجَماعيِّ، وينمِّي مَشاعرَ الانتماءِ الضروريَّةِ للفردِ، ويُشاركُ فِي نشرِ سلوكيَّاتٍ صحيَّةٍ، وتصرُّفاتٍ حَسنةٍ، وأفكارٍ إيجابيَّةٍ، حينَ توظيفهِ بطريقةٍ سليمةٍ، ولأهدافٍ نبيلةٍ.
- والواقعُ يُشيرُ إلى أنَّ الإنسانَ يتصرَّفُ فِي المجمُوعاتِ -غالبًا- وِفقًا لانطباعاتِ غيرِهِ عنهُ وتوقُّعاتِهِم منهُ، وليسَ بشكلٍ تلقائيٍّ مِن ذاتِهِ المُستقلَّةِ، فمُعظمُ النَّاسِ واقِعُونَ تحتَ قوَّةِ الإيحاءِ الاجتماعيِّ وتأثيرِ العدوَى النَّفسيَّةِ، ولهذَا، قدْ يُبدِّلُ الإنسانُ آراءَهُ وأفكارَهُ ومُعتقداتِهِ، مُتأثِّرًا بتغيُّرِهَا وتقلُّبِهَا لدَى جُمهورِ النَّاسِ مِن حوْلِهِ، ظانًّا أنَّ بإمكانِهِ إصدارَ أحكامٍ مُتجرِّدةٍ، وتبنِّي انطباعاتٍ مُحايِدةٍ، وهُو فِي هذَا مُخطئٌ تَمَام الخطَأِ.
- إنَّ قواعدَ الامتثالِ الاجتماعيِّ للأعرافِ والسُّلوكيَّاتِ الاجتماعيَّةِ، أمورٌ نسبيَّةٌ، وتختلفُ مِن مُجتمعٍ لآخرَ بِحسْبِ الظُّروفِ المُجتمعيَّةِ، ومفعُولِ التَّعاليمِ الدِّينيَّةِ والتَّيَّاراتِ المَذهبيَّةِ، وضبْطِ السُّلطةِ الحاكِمَةِ، وهِي فِي جوهرِهَا تخضعُ لعَواملَ وجدانيةٍ، وتستندُ علَى انفعالاتٍ وعواطفَ وأذواقٍ بشريَّةٍ، كمَا أنَّ الأخلاقَ الاجتماعيَّةَ -فِي مُعظمِهَا- تتبعُ نظريَّةَ النَّفعيَّةِ الشَّخصيَّةِ، فقليلُونَ مِن المُنخرطِينَ تحتَ لِوائِهَا يُحرِّكُهُم الضَّميرُ الخالصُ، والتفكيرُ المنطقيُّ.
- إنَّ التَّنازعَ والمُدافَعةَ مِن السُّنَنِ الاجتماعيَّةِ للهِ -سُبحانَهُ وتَعالَى- التِي تدفعُ باتِّجاهِ التَّغييرِ والتطوُّرِ، وهِي نافذةٌ لَا محالةَ مهمَا حاولَ بعضُهُم مُغالبتَهَا. يقولُ الدُّكتورُ (علي الوردي): «في كلِّ مرحلةٍ مِن مَراحلِ التَّاريخِ نجدُ طائفةً مِن النَّاسِ مُحافِظَةً أو رجعيَّةً، وطائفةً أُخْرَى مُجدِّدةً ثائرةً تدعُو إلى التَّغييرِ والتَّبديلِ. والتَّطاحُنُ بينَ هاتَيْنِ الطَّائِفتَينِ لَا يهدأُ مَا دامَ المُجتمعُ مُتحرِّكًا».