أهدانِي أخِي الكريمُ معالِي الدكتور محمد بنتن وزيرُ الحجِّ الأسبقِ كتابَهُ، أو ابنَهُ المُخلَّد تيمنًا بمَا قالهُ ابنُ الجوزيِّ: "كتابُ المرءِ ابنهُ المخلَّدُ". الكتابُ جميلٌ وممتعٌ، يحكِي سيرةَ ومسيرةَ أبِي مُهاب منذُ طفولتِهِ البريئةِ الصَّافيةِ فِي بيئةٍ مكيَّةٍ بهَا تلاقحُ ثقافاتٍ متعدِّدةٍ غرستْ فيهِ القِيمَ والمُثلَ الحميدةَ، وحبَّ العملِ كمَا بقيَّة الأُسرِ المكيَّةِ الأُخْرى، حتَّى يصبحَ شخصًا قادرًا علَى مواجهةِ ظروفِ الحياةِ الصَّعبةِ السَّائدةِ فِي تلكَ الفترةِ الزَّمنيَّةِ، ذكرَ بدايةَ دراستِهِ فِي مكَّة المكرَّمة، وانتقالَهُ للدِّراسةِ فِي جامعةِ الملكِ سعود بالرِّياض، ومِن ثمَّ الملكِ فهد للبترولِ والمعادنِ، وقتَ أنْ كانتْ كليَّةً، والإعادةُ فيهَا، والرِّحلةُ لأمريكَا؛ للحصولِ علَى درجةِ الدكتوراةِ فِي الهندسةِ الكهربائيَّةِ مِن جامعةِ (بولدر) بولايةِ كلورادو الأمريكيَّةِ.
وبعدَ عودتِهِ مِن الخارجِ، سردَ كيفَ بدأَ العملَ فِي جامعةِ البترولِ والمعادنِ أستاذًا مساعدًا، ورئيسًا للقسمِ، وعميدًا لكليَّةِ الحاسبِ الآليِّ الذِي كانَ البداية لجميعِ الإنجازاتِ التِي حقَّقهَا معاليه فِي مسيرتِهِ الوظيفيَّةِ، ومِن ثمَّ الانتقال لوزارةِ الحجِّ كوكيلٍ لهَا، ومرورًا بفترةِ رئاستِهِ للبريدِ السعوديِّ، والنَّجاحاتِ التِي حقَّقهَا، وعلَى وجهِ الخصوصِ ذلكَ الذِي أصبحَ يُعرفُ بالعنوانِ الوطنيِّ، وأخيرًا العودة لحملِ حقيبةِ وزارةِ الحجِّ والعُمرةِ، والنجاحات التِي تمَّ تحقيقُهَا فِي مجالِ الحجِّ والعُمرةِ، وخاصَّةً فِي توظيفِ التقنيةِ الحديثةِ فِي تسهيلِ كلِّ مَا يهمُّ الحاجَّ والمعتمرَ.
الكتابُ بعنوانِ "بصمات فِي الذاكرةِ"، من الحجمِ المتوسِّطِ بعددِ (238) صفحةً؛ قامَ بتقديمهِ معالِي الأستاذُ الدكتورُ عبدالعزيز محيي الدِّين خوجة وزيرُ الثقافةِ والإعلامِ الأسبقُ وسفيرُ المملكةِ فِي أكثرِ من بلدٍ.
الكتابُ مليءٌ بالتجاربِ والوقائعِ والنَّجاحاتِ التِي تحقَّقتْ علَى امتدادِ أكثرِ مِن خمسينَ عامًا، جميعُهَا تنتصبُ شاهدةً بأفصحِ لسانٍ علَى العملِ الدؤوبِ والجادِّ الذِي يدلُّ علَى عصاميَّةِ هذهِ الشخصيَّةِ السعوديَّةِ الرَّائعةِ، الأكاديميِّ ورجلِ الدولةِ الوزيرِ معالي الدكتورِ محمد بنتن.
من تجاربهم نستفيد، هكذا قال أبو حيان التوحيدي عبارته الشهيرة: "تجارب الأولين مرايا للآخرين"، لقد قرأت الكتاب غير مرة، وكنت في كل مرة أشعر بسعادة غامرة من التجارب التي ذكرها، والمؤلف في كل المراحل التي شرف بثقة القيادة -حفظها الله- في العمل فيها.
فِي رحلتِهِ لطلبِ العلمِ كانتْ مقولةُ مؤسِّسِ علمِ الاجتماعِ "ابنِ خلدون" القائلة: "إنَّ الارتحالَ فِي طلبِ العلمِ هُو مزيدُ كمالٍ فِي التعلُّمِ"، فِي مخيلتهِ علَى الدَّوامِ، فكوَّنَ صداقاتٍ معَ الجميعِ فِي بلدِ الغربةِ، واستفادَ من الثَّقافاتِ المتعدِّدةِ التِي قابلَهَا والتِي كانتْ عونًا لهُ بعدَ اللهِ فِي تخطِّي الكثيرِ من المواقفِ التِي واجهتهُ فِي حياتِهِ العمليَّةِ.
ومِن الجميلِ أنْ قامَ معاليه بتجييرِ الكثيرِ مِن النَّجاحاتِ التِي حصلتْ فِي كلِّ المواقعِ التِي تقلَّدهَا للفريقِ العاملِ معهُ، شخصيًّا أعرفُ الكثيرَ مِن المواقفِ الطَّريفةِ التِي ذكرَهَا لِي معاليه غيرَ مرَّةٍ فِي مناسباتٍ عدَّة، مِن أجلِ ذلكَ أتمنَّى أنْ يُتحفنَا أبو مُهاب بابنٍ آخرَ يُخصِّصهُ لتلكَ المواقفِ الطريفةِ، حتَّى تكتملَ السلسلةُ الرَّائعةُ مِن الأبناءِ.