عندمَا تتجلَّى العنايةُ الإلهيَّةُ للإنسانِ لَا تسألُ عَن السَّببِ، بلْ هناكَ مسبِّبُ الأسبابِ، فِي المدينةِ النبويَّةِ -علَى ساكنِهَا أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ- تتجلَّى رحماتُ ربِّ العالمِينَ، ويكتبُ لأهلِ المدينةِ أنْ يكونُوا سفراءَ لوطنِهِم معَ كلِّ إنسانٍ يلتقُونَ بهِ فِي رحابِ المسجدِ النبويِّ مِن الحجَّاجِ والمعتمرِينَ، تمرُّ علينَا الكثيرُ مِن القصصِ والحكاياتِ الجميلةِ التِي تلامسُ شغافَ القلوبِ، وتسكنُ الروحَ، ولكنَّ هذهِ القصةَ التِي روتهَا لِي أختِي الغاليةِ الدكتورةِ إيمان عسيري حلَّقتْ بِي بعيدًا إلَى عالمٍ تلتقِي فيهِ الأرواحُ قبلَ التقاءِ الأجسادِ، وتلكَ حقيقةٌ نعيشهَا فِي حياتِنَا اليوميَّةِ.
وبكل إيمان عميق ويقين بأن الله يسخر أناسا لأناس آخرين، ويجعل في طريقنا بشرا لم نعرفهم يوما؛ لنقضي لهم حوائجهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذه القصة الإنسانية باختصار لعل كلماتي تجد طريقها لقلوب شفافة تعي جيدا أن من يقدم عملا خالصا لوجه الله ويصدق فيه مع ربه لابد أن يجعل له القبول ولو مرت السنوات، ولو بعدت المسافات.
حاجَّةٌ مصريَّةٌ تأتِي للدِّيارِ المقدَّسةِ وفِي رحلةِ عودتِهَا لديارِهَا تتواصلُ معَ الغاليةِ إيمان لتطلبَ منهَا كتيِّبًا صغيرًا كانتْ قدْ اقتنتهُ منذُ زمنٍ بعيدٍ بعنوانِ (يَا غوثَ المستغيثِينَ) يتضمَّنُ أدعيةً مختارةً مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ، وعمرُ هذَا الكتيِّبِ عشرُونَ عامًا ومؤلفتهُ سها بهاء الدين مِن نساءِ المدينةِ الكريماتِ، حاولتِ الدكتورةُ إيمان الحصولَ علَى نسخةٍ مِن الكتيِّبِ وبحثتْ عنهُ فِي كلِّ مكتباتِ المدينةِ، ولم تتحصَّلْ عليهِ، وألهمَهَا اللهُ -جلَّ فِي عُلاهُ- أنْ ترسلَ رسالةً فِي كلِّ مجموعاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ بأنَّ مَن يمتلكُ نسخةً مِن هذَا الكتيِّبِ يزوِّدهَا بهِ لتعطيهِ هذهِ الحاجَّةَ عابرةَ السبيلِ، وتحتاجُ الكتيِّبَ لحاجةٍ لهَا فِي نفسِهَا، ويشاءُ اللهُ أكرمُ الأكرمِينَ لتتلقَّى الرسالةَ ابنةُ أختِ المؤلِّفةِ أماني المسكي، وفِي لحظةٍ توقَّفتْ عندَ الاسمِ عندمَا أخبرتنِي صديقتِي وأختِي بالحكايةِ؛ لأنَّنِي أعرفُ جيِّدًا هذَا الاسمَ؛ لأنَّ أختهاَ عدلة كانتْ زميلةَ دراسةٍ، ونِعمَ الأختِ، وسها بهاء الدين نيازي كانتْ كذلكَ صديقتِي، ولِي معَهَا ذكرياتٌ جميلةٌ، وانقطعَ التَّواصلُ بيننَا بعدَ التخرُّجِ والسَّفرِ والحياةِ أبعدتنِي عَن دروبهنَّ، سعدتُ كثيرًا بمَا سمعتُ وبمَا عرفتُ مِن تيسيرِ أمرِ الحاجَّةِ التِي قصدتْ اللهَ فِي الحصولِ علَى الكتيِّبِ فإذْ بالمؤلِّفةِ تأتيهَا بنفسِهَا وتوفِّر لهَا نُسخًا منهُ وتعطيهَا إيَّاهُ فِي اللحظاتِ الأخيرةِ قبلَ مغادرتِهَا الفندقَ والمدينةَ.
كانتْ هذهِ القصةُ سبيلِي للحصولِ علَى رقمِ صديقتِي القديمةِ سها، كلَّمتُهَا وسمعتُ صوتَهَا وعدتُ بذاكرتِي لبيوتِنَا المتجاورِةِ فِي الحرَّةِ الشرقيَّةِ ومدرستنَا التِي جمعتنَا الثانويَّةُ الخامسةُ وخطُّ سها الذِي كانَ يعجبنِي كثيرًا، حاولتُ تقليدَهُ يومًا وكانتْ تقولُ لِي خطُّكِ أجملُ ولكنِّنِي كنتُ -ومَازلتُ- أرَى فِي رسمِ الحرفِ الذِي تتقنهُ سها جمَالًا مِن نوعٍ خاصٍّ لا يتكرَّرُ. قرأتُ الإهداءَ الذِي خطَّتهُ صديقتِي فِي كتيِّبِ الأدعيةِ وإذْ بهِ لوالديهَا -رحمهمَا اللهُ- فأغبطتُهَا علَى هذهِ الفكرةِ، وهذَا العملِ الذِي جعلَ اللهُ فيهِ القبولَ، وأنْ يبقَى لهُ كلُّ هذَا الأثرِ ووصلَ إلى دولٍ عربيَّةٍ وإسلاميَّةٍ فِي كلِّ أنحاءِ العالمِ، وتلكِ -واللهِ- نعمةٌ تستحقُّ الشكرَ للمولَى -عزَّ وجلَّ-.
أكتبُ كلماتِي هذهِ مِن أجلِ أنْ نعيدَ حساباتِنَا جميعًا فِي كلِّ عملٍ نقدِّمهُ بينَ يدي اللهِ؛ ليكونَ مقبولًا ومباركًا صغيرًا كانَ أوْ كبيرًا.
شكرًا لمواقعِ التواصلِ الاجتماعيِّ التِي -إنْ استثمرَّتْ بشكلٍ إيجابيِّ- حقَّقتِ الهدفَ وحلَّتِ المشكلاتِ، وقُضيتْ بسببِهَا الحاجاتُ.
شكرًا مِن الأعماقِ لأُختِي إيمان عسيري.. قصَّةٌ كهذهِ تستحقُّ النشرَ، جمعنَا اللهُ بأحبتِنَا ودامتْ أيَّامُ الودِّ بيننَا. ودامتِ المدينةُ وأهلهَا منارةً للعلمِ والفكرِ، وحسنِ الجوارِ، وإكرامِ ضيوفِ الرَّحمنِ، فاللَّهُمَّ اتمِمْ علينَا نعمتَكَ وأوزعنَا شكرَهَا.