قديمًا، ارتبطَ الدَّينُ بالنواحِي السلبيَّةِ للفردِ، وأنَّ الشخصَ المديونَ تتكالبُ عليهِ الدنيَا، وعادةً مَا يكونُ مجبورًا على الدخولِ فِي معتركِ الديونِ.. وقديمًا قِيل: (لَا همَّ إلَّا همُّ الدَّينِ، ولَا وجعَ إلَّا وجعُ الضرسِ)، كنايةً عن مساواةِ الدَّين بالألمِ والمرضِ.
ويعتبرُ الشخصُ المديونُ إنسانًا مكسورًا، لَا يستطيعُ تسييرَ أمورِ حياتهِ.. ونظرةُ المجتمعِ لهُ عادةً مَا تكونُ نظرةً سلبيَّةً، وبالتَّالِي تجد الأفرادَ يتهرَّبُونَ ويعانُونَ حتَّى لَا يقعُوا فِي مصيدةِ القروضِ كأبعدِ مَا يستطيعُونَ. هذَا بالطبعِ نقصدُ بهِ الماضِي وقبلَ نصفِ قرنٍ أو عدَّةِ عقودٍ مِن الزَّمنِ، ولَا ينطبقُ هذَا الواقعُ على حاضرِنَا.. حيثُ نجدُ أنَّ الدَّين جزءٌ مِن البرستيجِ الذِي نعيشُ بهِ ونقتاتُ عليهِ ونهتمُّ بهِ. فالدَّينُ أصبحَ جزءًا مِن حياتِنَا حتَّى نحققَ أهدافَنَا، حيثُ تجد أنَّ الدَّين يساعدنَا علَى تملُّكِ منزلِ المستقبلِ، وتقسيطِه على عشرِينَ عامًا، ويمكننَا أيضًا مِن تجديدِ المنزلِ، وتحديثِ أثاثِنَا، والدفعِ خلالِ أربعٍ أو أكثرَ، من سنواتِ عمرِنَا.. بلْ والدَّينُ سيمكننَا مِن السفرِ وقضاءِ الإجازةِ المستهدَفةِ، والحفاظِ علَى رغباتِنَا. وكلَّمَا أردنَا أنْ نعيشَ أعلَى مِن قدراتِنَا، وتحقيقِ رغباتِنَا نلجأُ إلَى الدَّينِ، وبدلًا من الادِّخارِ نبيعُ دخلنَا المستقبليَّ واستهلاكهُ الآنَ. فالدَّينُ مهمَا كانَ هُو عكسُ الادِّخارِ، والمستقبلُ يصبحُ مملوكًا لغيرِنَا، أي شركاتِ التقسيطِ أو البنوكِ.. حتَّى بوليصةِ التأمينِ لتحقيقِ أهدافِ مَن نعولُ مستقبلًا، أصبحتْ لضمانِ سدادِ الدَّين مستقبلًا، وإسقاطهُ عَن مَن نعولُ.
يبدو أن التغيرات التي حدثت في المجتمع، والرغبة في المظاهر السلبية، كانت الدافع وراء سلوك أفراد المجتمع ورغبتهم في التفاخر، والمكانة الاجتماعية أحدثت هذا التحول السلبي في أن يعيش الإنسان فوق قدراته المالية، الأمر الذي رفع حجم ديون الأفراد في المجتمع السعودي إلى مستويات قياسية، وتحول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي أكثر منه إنتاجيا.. ولعلَّ هذا السلوكَ يؤثرُ علَى التوجهاتِ الادِّخاريَّةِ فِي الاقتصادِ المحليِّ السعوديِّ.. وبالتَّالِي علَى الفردِ مستقبلًا، ويزيدُ مِن حجمِ الضغوطِ التِي يعيشهَا الفردُ فِي المجتمعِ، ولا شكَّ أنَّه لهُ انعكاساتٌ سلبيَّةٌ مستقبلًا علَى سلوكياتِ الفردِ.. الأمرُ الذِي يؤثِّرُ سلبًا على الاقتصادِ والمجتمعِ، ويرفعُ مِن حجمِ السلبياتِ فيهِ بصورةٍ كبيرةٍ.. ولعلَّ توفُّرَ أدواتِ الدَّينِ، وسهولةَ الوصولِ إلى الحسابِ المصرفيِّ مِن خلالِ بطاقاتِ البنوكِ وحملاتِ التسويقِ البنكيَّةِ، وتسهيلَ الإجراءاتِ ساهمَ فِي زيادةِ هذَا التوجُّهِ السلبيِّ وتفاقُمه.