Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

إنه الاقتصاد.. يا غبي!!

A A
عندما أُنشئت «جامعة الدول العربية» عام 1945، كان كثير من المواطنين العرب، يأملون أن تكون هذه الخطوة، أي مشاركة الدول العربية في الجامعة، هي الخطوة الأولى في سبيل توحيد الموقف العربي، وبداية للتنمية، وأعلن ميثاق الجامعة أن من أهدافها تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الدول الأعضاء.

ما الذي حدث منذ ذلك الوقت إلى اليوم؟، لم تتحقق أحلام العرب كلها، وإن تحقق البعض منها. حيث أدى تفاوت الأنظمة السياسية والأيدولوجيات داخل الجامعة إلى تباين في الأهداف والسياسات الخارجية لكل دولة، كما أثَّرت التدخلات الخارجية، من قوى إقليمية ودولية، على سياسات الدول العربية. بالإضافة إلى التنافس بين بعض قادة الدول على النفوذ والقيادة داخل الأسرة العربية، وبروز شعارات وعناوين أيديولوجية، كل ذلك زاد في التباعد بين العرب.

جرت محاولات لتوحيد المواقف، بل ولتوحيد البلدان، نجحت مصر وسوريا في إقامة وحدة بين بلديهما، ولكنها فشلت سريعاً حين قام الجيش السوري بالانقلاب عليها. ونجحت صنعاء في توحيد الجنوب معها، ولم يطل ذلك، وانفجر الجنوب في ثورة قبلية أدت إلى سقوط الكثير من الدماء. وحاول «حزب البعث العربي» الذي كان له وجود قوي، في تلك المرحلة، في كل من العراق وسوريا، توحيد البلدين، ولم يتم ذلك، بل أدى إلى إراقة الدماء. وهناك أمثلة أخرى.

دول الخليج العربي قدمت نموذجاً رائعاً للوحدة عبر إنشاء «مجلس التعاون الخليجي»، منتصف عام 1981، من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان، ولم يقم على أساس وحدة فورية، وإنما وحدة على مراحل. وأدى هذا النموذج الوحدوي إلى نجاحات كبرى يتمتع بها مواطنو دول الخليج، وتستفيد منها دول عربية عدة. وأصبح المواطن الخليجي ينتقل من بلد خليجي إلى آخر بالهوية الوطنية، لا الجواز، وأصاب الرخاء الاقتصادي جيران دول الخليج، حيث استقبلت الملايين منهم للعمل فيها.

النمو الوحدوي لدول الخليج يتم على مراحل، وتبنى خطواته على نتائج نجاح كل تجربة من تجاربه الوحدوية. وفي عام 2003 أُطلق «الاتحاد الجمركي» بهدف تحقيق التكامل الاقتصادي بين دوله، وعام 2008 تأسست «السوق الخليجية المشتركة» لتسهيل حركة السلع والخدمات ورأس المال بين الدول الأعضاء.

بداية عام 1999، أنشأت الدول العربية، شمال إفريقيا، «الاتحاد المغاربي»، واحتوى المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، ولا زال الاتحاد قائماً بالرغم عن خلافات حادة فيما بين عدد من أعضائه، لم يتمكن الاتحاد من حلها. كما أن بعض دول الاتحاد عايشت أزمات عطلت مشاركتها في أنشطة الاتحاد. وسادت الفوضى ليبيا، وتغيَّر النظام التونسي.

ما توضحه التجربة العربية الوحدوية أن الاقتصاد يجب أن يكون الأساس لتوحيد العرب، فبدون تنمية الاقتصاد وتوجيهه لصالح الأوطان، يصعب التفاف الشعوب حول قادتها، كما هو حاصل في المملكة العربية السعودية وباقي شقيقاتها الخليجية، وليس البترول والغاز هو سبب نجاح دول الخليج في مسعاها الوحدوي، بل حسن إدارة ثروة بلدانها وتنميته لصالح المواطن، إذ إن الغاز والبترول ليس حكراً على دول الخليج، بل هناك دول عربية أخرى لديها ثروات بترولية كبيرة، في دول المغرب والمشرق العربي. إلا أن سوء الإدارة والأيديولوجيا الهدامة هي ما يكبل أي عمل اقتصادي أو ابتكاري خارج إطار السلطة في هذه الدول، بحيث أصبح الجهاز الأيديولوجي والبيروقراطي هما اللذان يديران الاقتصاد.

وقد يتساءل البعض عن القوة العسكرية، وهل هي متوفرة لدى العرب؟. والإجابة تأتي أيضاً من التجربة الخليجية، حيث إن الاقتصاد الخليجي القوى يتيح للخليجيين الحصول على السلاح من مصادر دولية عدة حسب الحاجة. بالإضافة إلى أن الاقتصاد الخليجي القوي يتيح لهذه الدول نقل التكنولوجيا إلى بلدانهم، وإنشاء المصانع الكبيرة فيها، كما أنها فتحت الباب واسعاً للابتكار أمام الشباب، والسعودية نموذج حي ومتواصل على ذلك.. مما يجعلنا نستعير من حملة انتخابية للرئيس الأسبق كلينتون جملة تقول: «إنه الاقتصاد.. يا غبي»!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store