أواصل قراءاتي لكتاب «القصص القرآني ومتوازياته التوراتية (أساطير الأولين) للأستاذ فراس الحوّاس، حيث استمر في سرد روايات غير صحيحة عن سقوط بعض الآيات من بعض السور، وبعض سور القرآن، في حين نجده عند عرضه تاريخ كتابة التوراة، لم يتبع منهج التشكيك الذي اتبعه في كتابته لتاريخ كتابة المصحف الشريف!.
ولا أشك أنّه لا يعلم أنّ عدد آيات سور القرآن، وعدد سوره وموضع كل آية، وموضع كل سورة توقيفي من عند الله؛ إذ كان النبي عليه الصلاة والسلام يراجع القرآن مع جبريل عليه السلام في رمضان كل سنة، فلما كانت السنة التي توفي فيها، راجعه مرتين كما في الصحيحين عن فاطمة- رضي الله عنها «أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كل سنة مرة أو مرتين وأنّه عارضه الآن (السنة التي توفي فيها) مرتين.
وقد شهد العرضة الأخيرة جمع كبير من الصحابة لا يمكن حصرهم، وهذه العرضة هي التي رتب عليها القرآن الكريم عند كتابته وجمعه في عهد أبي بكر، وبعد ذلك في عهد عثمان.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد قرأ القرآن الكريم في العرضة الأخيرة على جبريل عليه السلام مرتبًا، ذلك الترتيب الموحى به الذي نقرأ به القرآن الكريم. فسور القرآن وآياته رتِّبت بوحي إلهي، وأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلاَّ بعدما قرأه على جبريل عليه السلام بذلك الترتيب في العرضة الأخيرة، وذلك موضع إجماع.
وقد كُتب القرآن الكريم في صحف متفرقة، فبُدِأ جمعه في عهد أبي بكر رضي الله عنه سنة 12هـ، وذلك عند استشهاد أكثر من سبعين من قراء الصحابة في موقعة اليمامة، فقد اشتد ذلك على الصحابة، ولاسيما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاقترح على أبي بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن الكريم؛ خشية ضياعه بموت الحفاظ واستشهاد القراء، فتردد أبوبكر لأول الأمر، ثم شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر، فكان هو أول من جمع القرآن بين اللوحين، وكان أحد الذين حفظوا القرآن كله. وأوكل لزيد بن ثابت مهمة جمع القرآن باعتباره كان أحد كتبة الوحي، وقد استثقل زيد بن ثابت المهمة، إلّا أنّه حينما شرح الله له صدره باشر بها، وبدأ بجمع القرآن بوضع خطة أساسية للتنفيذ، اعتمادًا على مصدرين هامين، هما:
1- ما كُتب أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وبإملاء منه، وكان زيد نفسه من كتاب الوحي.
2- ما كان محفوظًا لدى الصحابة، وكان هو من حفّاظه في حياته صلى الله عليه وسلم. وكان لا يقبل شيئًا من المكتوب حتى يتيقن أنّه: مما كُتِب بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بشهادة شاهدين عدلين. وأنّه مما ثبت في العرضة الأخيرة.
والقول إن القرآن المكي (86) سورة، حفظ في الصدور في مكة وكتب في السطور في المدينة مع القرآن المدني تأثراً بمزاعم المستشرق الإنجليزي «بلاشير» يدحضه وجود كتاب الوحي المكي، وهم الخلفاء الراشدون بالإضافة إلى أبي سلمة المخزومي، وعامر بن فهيرة، والأرقم، والزبير، وطلحة، وعبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهم، وكذلك قصة إسلام الفاروق رضي الله عنه.. وهكذا جمع القرآن في صحف بإشراف أبي بكر وعمر وأكابر الصحابة، وتنفيذ زيد بن ثابت وأجمعت الأمة على ذلك دون نكير، فامتازت بأدق وجوه البحث والتحري، وأسلم أصول التثبت العلمي، وظفرت بإجماع الصحابة عليها، وعلى تواتر ما فيها.
فجمع في مصحف أبي بكر رضي الله عنه، ما ثبت اعتماده في العرضة الأخيرة، وهو الأساس الذي كان عليه مصحف عثمان رضي الله عنه، وهو المصحف المتداول بين أيدينا الآن. وبعد الانتهاء من جمعه، سلّمه سيدنا أبوبكر رضي الله عنه لأم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها لتحفظه عندها. وهو الذي نسخت منه المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه، ووزعت على الأمصار.
هذا، وممّا يجدر ذكره فإنّ الدراسة الخاصة التي قام بها مونتجمري وات، وريتشارد بل عن القرآن الكريم التي تناولا فيها أعمال عدد كبير من المستشرقين في دراستهم للقرآن، وهي في غالبيته العظمى تستخدم مناهج النقد الغربية، ومن هؤلاء فيل، وهيرشفيلد، وآربري، ورودي بارت وغيرهم، وقد اعترف المؤلفان بأنَّ الدراسات الحديثة للقرآن لم تستطع أن تثير أي شكوك جدية حول مصداقية النص القرآني، بينما نجد باحثًا عربيًا مسلمًا يشكك في صحة القرآن الكريم بإيراده كمّا كبيرًا من الروايات الموضوعة، ورواية من الإسرائيليات.