كتابٌ جميلٌ بعنوانِ «عالم الأصفارِ الثلاثةِ»، (A WORLD OF THREE ZEROES)، صدرَ عَن دارِ «ببلك أفيرز» الأمريكيَّة فِي سبتمبر 2017م، لمؤلِّفهِ البروفيسور «محمد يونس»، الخبيرِ الاقتصاديِّ البنجلادشيِّ الشَّهيرِ، مؤسِّسِ بنكِ «جيرمين» للفقراءِ، والحاصلِ على جائزةِ نوبل للسَّلام عام 2006م.
في الكتابِ يستعرضُ المؤلِّفُ فكرتَهُ عَن «الأصفار الثلاثة»، التِي يوضِّحً فيهَا رؤيتَهُ لتحقيقِ التنميةِ الكاملةِ، والوصولِ إلى تحقيقِ، صفرِ بطالةٍ، وصفرِ فقرٍ، وصفرِ انبعاثاتٍ كربونيَّةٍ، خاصَّةً وأنَّه يرَى فشلًا ذريعًا، ومشكلاتٍ واضحةً فِي بنيويةِ الرأسماليَّةِ العالميَّةِ، خاصَّةَ بعدَ فشلِها في تحقيقِ العدالةِ الاجتماعيَّةِ، وتدميرهَا للبيئةِ، وتسببهَا في انتشارِ البطالةِ، وتفاقمِ المشكلاتِ الطبقيَّةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ.
كمَا وضَّح «يونس» في محتوَى الكتابِ عَن الطريقةِ التي شاركتْ بها شركاتٌ عالميَّةٌ مثل «ماكين»، و»رينو»، و»إسيلور»، و»دانون»، معَ النموذجِ الاقتصاديِّ الجديدِ، مِن خلالِ مجموعاتِهم للعملِ الاجتماعيِّ، ويصفُ الأدواتِ الماليَّةَ الجديدةَ لتمويلِ المشروعاتِ الاجتماعيَّةِ، كمَا قامَ بتصويرِ التغيُّراتِ القانونيَّةِ، والتنظيميَّةِ اللازمةِ لتحريكِ الابتكاراتِ المدفوعةِ اجتماعيًّا.
يؤكِّدُ البروفيسور «يونس»، على أنَّ الرحلةَ نحوَ هذهِ الأصفارِ الثلاثةِ ليستْ قابلةً للتحقيقِ فحسبْ، بلْ يرَى بأنَّها ضروريَّةٌ لمستقبلٍ مُستدامٍ وشاملٍ.
وقالَ: يتطلَّبُ تحقيق الفقرِ الصفريِّ نهجًا متعدِّدَ الأوجهِ، حيثُ يتم تمكينُ الأفرادِ بالأدواتِ والفرصِ لانتشالِ أنفسِهم من الفقرِ، لقدْ أثبتَ التمويلُ الصغيرُ للأعمالِ التجاريَّةِ الاجتماعيَّةِ، وبرامجِ التوظيفِ الانتقائيِّ، والمركزِ المبنيِ على القيمةِ، وريادةِ الأعمالِ الاجتماعيَّةِ المستدامةِ، وتمكينِ الشبابِ والمجتمعاتِ، جميعهَا أثبتتْ فعاليتهَا في القضاءِ على الفقرِ؛ ممَّا يوفِّرُ للفقراءِ إمكانيةَ الوصولِ إلى الخدماتِ الماليةِ، وتشجيعِ مبادراتِ تنظيمِ المشروعاتِ.
وذكرَ أنَّه من خلالِ دعمِ الأعمالِ التجاريَّةِ الاجتماعيَّةِ، يمكنُ للأفرادِ المساهمةُ بشكلِ كبيرٍ في القضاءِ على الفقرِ من المستوَى الشعبيِّ، وبالمثلِ فإنَّ معالجةَ البطالةِ الصفريَّةِ تعتمدُ على تبنِّي روحِ المبادرةِ داخلَ المجتمعاتِ؛ لأنَّ الشركاتِ تخلقُ وظائفَ من خلالِ الاحتياجاتِ المحليَّةِ والاستجابةِ لهَا، ومِن الأهميَّةِ لكلِّ المبادراتِ العامَّةِ في تعزيزِ نظامٍ بيئيٍّ يمكنُ أنْ تزدهرَ فيهِ ريادةُ الأعمالِ.
وبخصوصِ التكنولوجيَا، فيرَى «يونس» أنَّ العالمَ يتغيَّرُ بتسارعٍ مذهلٍ، وكلُّ ذلكَ بسببِ الابتكاراتِ التكنولوجيَّةِ التي وقعتْ تحتَ سيطرةِ الأغنياءِ؛ ممَّا أدَّى إلى استخدامِها بجشعٍ طلبًا لزيادةٍ في الثراءِ، لكنْ إذا تمَّ استخدامُ هذهِ التكنولوجيَا لحلِّ مشكلاتِ العالمِ التي تتمركزُ حولَ الفقرِ، والبطالةِ، والتدهورِ البيئيِّ، وإدارةِ الإسكانِ، فعندهَا سيحدثُ تحولٌّ كبيرٌ في العالمِ، حيثُ يجبُ أنْ تكونَ المهمَّةُ الأساسيَّةُ، هِي أنَّ الابتكاراتِ التكنولوجيَّةَ تكونُ لإحداثِ «نموٍّ مستدامٍ»، وليسَ لزيادةِ الفجوةِ بينَ الفقراءِ والأغنياءِ.
ولتحقيق صفر انبعاثات كربونية، يجب التحول نحو الممارسات المستدامة بيئيًّا، وهنا تلعب الشركات الاجتماعية دورًا حاسمًا، حيث تكون رائدة في التقنيات الخضراء وطرق الإنتاج المستدامة التي تخفف من التأثير على كوكب الأرض.
وفي الختامِ، فإنَّ الطريقَ إلى عالمٍ من ثلاثةِ أصفارٍ -والكلامُ لا يزالُ للمؤلَّفِ- ممهدٌ بالتصميمِ والعملِ الجماعيِّ للأفرادِ والمجتمعاتِ والجامعاتِ الحيَّةِ والشركاتِ.
إنَّ الكتابَ كفيلٌ بأنْ يجعلَ «وول ستريت»- كنايةً للإشارةِ إلى الأسواقِ الماليةِ في الولاياتِ المتحدةِ، أو قطاعِ الخدماتِ الماليةِ الأمريكي- ترتجفُ لو أنَّها تبالِي بالعالمِ النَّامِي؛ حسب مجلَّة «كير كوس ريفيو» الأمريكيَّة.