ليس مهماً بالنسبة للعالم خارج أمريكا، ما إذا فاز بالانتخابات الرئاسية القادمة للولايات المتحدة دونالد ترمب أو كامالا هاريس، إذ أن أمريكا حسمت أمرها في ما يتعلق بسياساتها الدولية؛ نتيجة لفشلها في الحفاظ على تفوقها الاقتصادي وهيمنتها على اقتصادات العالم. كما أن دول العالم أصبحت تبحث عن مواقع لها في نظام عالمي جديد.
تتحدث وسائل الإعلام الأمريكية عن أن الحزب الديموقراطي الحاكم حالياً، يشعر بأن أوروبا، وحلف الناتو، أصبحا عبئاً مالياً ثقيلاً على الولايات المتحدة، أما دونالد ترمب، الزعيم غير المنازع في الحزب الجمهوري، فإنه أعلن منذ فترته الرئاسية السابقة عن استعداده للتخلي عن الناتو؛ إذا لم تقم الدول الأوروبية المشاركة فيه بزيادة مساهمتها المالية.
ولا زالت رغبة المؤسسة الحاكمة في أمريكا التوجه إلى آسيا بحثاً عن حلفاء ومصادر ثروة، والحد من النهضة الاقتصادية الصينية.
استطاعت الصين أن تخيّب آمال أمريكا وأوروبا في أن تصبح جزءاً من (النظام الليبرالي العالمي) الذي يبشر به الغربيون.
حتى بعد أن أصبحت عضواً في عدد من المؤسسات الدولية التي اعتقد قادة الغرب أنها ستكون جاذباً مغرياً للصين، بما في ذلك منظمة التجارة العالمية التي تنظم العلاقات التجارية فيما بين الدول، وتسعى لتقليص المنافسة بينها، وإقناع الدول بعدم رفع الحواجز الجمركية في وجه المنتجات التي تستوردها.
ما يهدد الأمريكيون به الآن هو رفع الحواجز الجمركية إلى أعلى ما يمكن، لمنع أي قوة تجارية (الصين بالذات) من الاستفادة من الأسواق الأمريكية والأوروبية.
ويتباهى دونالد ترمب بأنه سوف يسعى لرفع الرسوم الجمركية إلى أكثر من مائتين بالمائة من قيمة بعض المنتجات الصينية المستوردة.
وتحولت السياسة الأمريكية في ما يتعلق بالتجارة العالمية من حرية التجارة إلى الحد منها. بل أصبح الآن مقبولاً في الولايات المتحدة صعود مجموعة سياسية شديدة التطرف يسارياً، تعد بمحاربة رأس المال وفرض سياسة اشتراكية مشابهة لما كان عليه الاتحاد السوفيتي، وإن كان قادة الحزب الديموقراطي، يسعون للحد من التطرف المعلن عنه.
أصبحت الصين والهند تستهلكان أغلب الصادرات من النفط والغاز من دول الخليج. وتقلصت حاجة أمريكا من هذه الصادرات. وتستحوذ الصين لوحدها على (20%) من النفط والغاز الخليجي، وأصبحت الهند أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الصين، وتستورد اليابان حوالى (15%) من نفط وغاز دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن تكون الهند بحلول العام 2030 أكبر مستورد للنفط في العالم. وقد صعد حجم التبادل التجاري الخليجي مع دول آسيا على حساب انخفاض ذلك فيما بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي.
خلال السنوات الماضية وجهت المملكة العربية السعودية، وشقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، جزءاً كبيراً من صادراتها من النفط والغاز نحو آسيا. كما ارتفعت وارداتها من آسيا. وهناك دلائل على أن دول المجلس تواصل خفض اعتمادها على الدولار في التعاملات التجارية الدولية. حيث إن المعاملات التجارية والاقتصادية هي الأساس الذي تبنى عليه سياسات التعاون الجيوسياسي، كما نشاهد من توجه الخليج نحو تعزيز علاقاتها مع دول مجموعة البريكس، مع عدم التخلي عن علاقات مميزة مع الولايات المتحدة وأوروبا.