Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

(ابن أبي قالة)، و(ابن أبي فارس)

سديم

A A
حدَّثنا مصباح بن موسى، عن (منير ابن أبي مصروف)، قال: كنتُ يومًا من الأيام أبحثُ عن (شغل) أسدُّ به رمقي، وأعولُ به عيالي، وأغلقُ به فم أبنائي، وأسترُ به ما تكشَّف من عوراتِهم، وما ظهر من التصاق بطونهم، وبروز عظامهم.

وأنا على تلك الحال من الهمِّ والغمِّ والكَربِ، مع البحث والتِّرحال والتِّجوال؛ أخرجُ مع بواكير الصَّباح، دون أنْ تغفوَ عيني، ويغمضَ جفني، فمن حارةٍ إلى حارةٍ، ومن دكَّانٍ إلى دكَّانٍ، ومن محلٍّ إلى محلٍّ، ومن حانوتٍ إلى حانوتٍ، وصادف أنْ رأيتُ مزرعةً كبيرةً خارج الحي، فقلتُ في نفسي: «لعلَّ فيها ما أجده بعدما نخلتُ الحيَّ برجلي»، فدخلتُ على صاحبها، فأفضتُ في بيان ما حلَّ بي من ضيق اليد، وسورة الجوع، وتآكل الأمعاء، واكتواء الأحشاء، فرحَّب بي وأكرمني.

وبعد مرور أيام، وأنا في حالة مستورة، ونفس راضية مرضيَّة، مع إخلاصي بالاجتهاد والمثابرة؛ لقيني رجلٌ من العاملين؛ قصير القامة، نحيل الجسد، حتَّى لا تكاد تراه أو تشعر به، جاحظ العينين، ضاعت معالم وجه بعارض مكسوٍّ بلحيةٍ، صوتُه جهوريٌّ لا يدلُّ على جسمه، ولا ينبئ بهيئته، فعرَّفني بنفسه: (أنا ابن أبي قالة)، فرحَّبتُ به دون مبالغة، ونفسي منه غير مرتاحة، ولا مقبلة.

ثم أخذ بالتَّواصل معي، والتَّقرب إليَّ، حتَّى شككتُ فيما اطمأن إليه قلبي، وبعد زمن يسير، بدأ يكثر التَّطاول على العاملين بالقالة والقيل، حتَّى أفرغ في أذني بكل سوء وفحش، كما يستفرغ الشيطان بالقيء، وبيده يشير: «إنَّ ابن أبي فارس، هذا، كالمنشار، وبالسرقة كالملقاط. لا يردعهُ دِينٌ ولا يصدُّه إيمانٌ. همَّازٌ مشَّاءٌ بِنَمِيمٍ، منَّاعٌ للخيرِ زَنِيمٌ. بالسُّحتِ يطعم أبناءَهُ، وبالحيلة يسرق غيره. لسانه ظريف، وبالخبث مريب».

وهو على ذلك الحال والموَّال، من الإساءة والتَّشويه، بما يفيض به لسانه، ويجري به ريقه، حتَّى غدا ذلك ديدنه وعنوانه. أمَّا أنا فكلَّمَا رأيتُ (ابن أبي فارس) حملتُ في قلبي عليه جبالًا من الضغينة، فكرهتُ منه سلامه وتسليمه، وأبغضتُ ترحيبه وتهليله.

فصادف يومًا أنْ كنتُ واقفًا خلف ستار شفَّاف، لا أرى إلَّا معالم إنسان يحادث إنسانًا؛ فإذا بي أسمعُ صوت (ابن أبي قالة)؛ وهو يقول مخافتًا: «إنَّ ابن أبي مصروف يسرق كل يوم من خيرات هذه المزرعة، مرَّة عنبًا، ومرَّة تفاحًا، ومرَّة رمَّانًا، ومرَّة كرزًا، ومرَّة بذورًا، أمَّا صاحب المزرعة؛ فهو رجل جمع ما بين الهبالة، وسوء الإدارة».

فلمَّا سمعتُ ما قال؛ انتفضتُ من مكاني، وأحلتُ بيدي ما شفَّ من حجاب، فإذا بي أرى صاحبي ومعه (ابن أبي فارس)؛ فجمعتُ ما في فمي من ريق، ونثرته في وجهه، وأنا عازم على تعريته وفضحه، وكشف سوءته وبهتانه..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store