Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. بكري معتوق عساس

(إِن أكرمكم عند الله أتقاكم)

A A
لقدْ قامَ الإسلامُ علَى مبدأِ المساواةِ بينَ البشرِ، فلَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إِلَّا بِالتَّقْوَى، فالجميعُ سواءٌ؛ فالصحابيُّ العبقريُّ الذِي لقَّبهُ الرسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بسيفِ اللهِ المسلولِ «خالد بن الوليد» مِن أُمَّةِ العربِ، والقائدُ «طارق ابن زياد» الذِي انتقلَ مِن البرِّ الإفريقيِّ إلَى الأوروبيِّ، وقادَ جيوشَ المسلمِينَ فِي معاركَ الفتحِ المبينِ فِي الأندلسِ عامَ 711م، كانَ مِن البربرِ، والقائدُ «صلاح الدين الأيوبي» ينتمِي إلَى قبيلةٍ كرديَّةٍ، والقائدُ «محمد الفاتح» كانَ مِن الأتراكِ، عُرفَ عندَ المسلمِينَ باسمِ «الفاتحِ»، وأطلقَ عليهِ الأوروبيُّونَ لقبَ «السيِّد العظيم»، قامَ بفتحِ مدينةِ القسطنطينيَّةِ، و»يوسف بن تاشفين»، من قبيلةِ الأمازيغِ، القبيلَة التِي كانَ لهَا الفضلُ فِي انتشارِ المذهبِ المالكيِّ فِي المغربِ العربيِّ، و»بركة خان»، كانَ مِن المغولِ التِي تُعدُّ أُولَى قبائلِ التتارِ إسلامًا، وأكثرَهَا تعاطفًا وتأدُّبًا معَ المسلمِينَ.

إنَّ كلَّ هؤلاءِ الأبطالِ فرَّقتهُم الجنسيَّاتُ والأعراقُ واللهجاتُ، ولكنْ جمعَهُم الدِّينُ الإسلاميُّ العظيمُ.

الإمامُ «أبو عبدالله محمد بن إسحاق البخاري»، أحدُ كبارِ الحفَّاظِ وأهمُّ علماءِ الحديثِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ، كانَ مِن بُخارَى أوزبكستان، والأمامُ «أبو الحسين مسلم»، مصنِّفُ كتابِ صحيحِ مسلمٍ الذِي يُعدُّ ثانِي أصحِّ كتبِ الحديثِ بعدَ صحيحِ البخاريِّ، كانَ مِن نيسابور إيران، و»أبو عبدالله بن يزيد ابن ماجة» أحدُ الأئمةِ فِي علمِ الحديثِ، كانَ مِن قزوين إيران، و»أبو عيسى الترمذي» مصنِّفُ كتابِ الجامعِ المعروفِ بسُننِ الترمذيِّ كانَ مِن ترمذ بأوزبكستان، و»أبو عبدالرحمن النسائي» أحدُ أئمةِ الحديثِ النبويِّ الشريفِ كانَ مِن نسَا تركمنستان.

كلُّ هؤلاءِ المحدِّثِينَ أصحابِ المدوَّناتِ والصحاحِ الستةِ، فرقَّتهُم الجنسيَّاتُ والأعراقُ واللهجاتُ، وجمعتهُم سُنَّةُ نبيِّنَا المصطفَى -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم-.

إنَّ الدِّينَ الإسلاميَّ العظيمَ بدأَ بالعربِ، ولكنَّهُ ليسَ للعربِ دونَ غيرِهِم مِن النَّاسِ؛ إنَّ «أبا لهبٍ» الهاشميَّ القرشيَّ فِي النَّارِ، والصحابيَّ الكريمَ «بلال بن رباح» الحبشيَّ، الذِي اختارهُ النبيُّ محمدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ليكونَ مؤذِّنَهُ الأوَّلَ فِي الجنَّةِ، وإنَّ «أبا جهل» الهاشميَّ القرشيَّ في النَّارِ، والصحابيَّ ومولَى النبيِّ «سلمان الفارسي» في الجنَّةِ، و»الوليد بن المغيرة» المخزوميّ العريقَ نسبًا وحسبًا فِي النَّارِ، وفِي المقابلِ نجدُ أنَّ الصحابيَّ ومولَى النبيِّ وأحدَ السابقِينَ إلى الإسلامِ ومِن المستضعَفِينَ فِي مكَّة «صهيب الرومي» في الجنَّة.

إنَّ القرشيِّين عريقي النسب، الذين دخلوا النار، إنما دخلوها بسوء أعمالهم، والضعفاء المساكين الذين دخلوا الجنة، إنما دخلوها بحسن أعمالهم؛ ولو انتفع أحد بالنسب والحسب دون الإسلام، لانتفع «أبو لهب»، وهو عم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

إنَّ مِن المروءةِ أنْ يحبَّ الإنسانُ أصلَهُ، وفصلَهُ، وقومَهُ، ولكنْ مِن الجاهليَّةِ أنْ يعتقدَ أنَّه أفضلُ مِن بقيَّةِ الخلقِ؛ بسببِ أصلِهِ وفصلِهِ وقومِهِ.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store