Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. صالح عبدالعزيز الكريّم

العالم نحو انحدار أخلاقي وضياع عائلي

A A
قبلَ خمسِينَ عامًا عندمَا زرتُ بريطانيَا لأوَّلِ مرَّةٍ وأنَا فِي بدايةِ المرحلةِ لدراسةِ البكالوريس، كنتُ أشعرُ وأحسُّ بالجوِّ العائليِّ فِي بيوتِ الإنجليزِ، وإنَّ حياتَهُم أُسريَّةٌ إلى حدٍّ مَا، وفِي آخرِ زيارةٍ لِي لاحظتُ أنَّ التفككَ العائليَّ، وذوبانَ معانِي الأُسرةِ قدْ نخرَ فِي مجتمعِهِم. وعندَ الالتفاتِ -اليومَ- يُمنةً ويُسرةً فِي العالمِ والنظرِ فيمَا توجهُ إليهِ وتتبنَّاهُ أنظمةٌ دوليَّةٌ رسميَّةٌ، فإنَّكَ تُصابُ بالدَّهشةِ، دعوةٌ للمثليَّةِ وانتشارٌ للفسادِ، والانحلالِ الأخلاقيِّ، وهدمُ معانِي العائلةِ والتفككُ الأسريُّ منقطعُ النظيرِ أخذَ يدبُّ فِي شرايِين الأرضِ قاطبةً، وطغتِ المادياتُ علَى النواحِي الإنسانيَّةِ، وانطمستْ كلمةُ عيبٍ، وغابَ مصطلحُ الحياءِ، وأصبحَ العالمُ يسيرُ إلى هاويةِ الانحدارِ الأخلاقيِّ بوعيٍ أو بدونِ وعيٍ، وأصبحتْ حتميَّةُ غيابِ التركيبةِ الأُسريَّةِ والتَّشكلِ العائليِّ هُو مستقبلهُ ومصيرهُ.

من أهم عنصر في تشكيل وبنية المجتمع هي العائلة والأُسرة، إن هي انهارت، أو غابت، أو حتى ضعفت، تاه المجتمع، وذابت هويته، وتعرض أفراده لأسوأ حالات الحياة المعيشية التي تتسم بالضنك، وهو الخطر القادم على المجتمعات اليوم، ولا يغرنك التقدم العلمي، وبهجة الحياة، والقوة المادية والتكنولوجية، فإنها مؤشرات زائفة عند غياب الروح والنفس والاحتياجات القلبية والعاطفية والأخلاقية.

لستُ متشائمًا، لكنْ مَا أراهُ، وما تعلنهُ وتتبنَّاهُ أنظمةٌ دوليَّةٌ مرعبٌ فِي حقِّ النَّفسِ والأُسرةِ والأخلاقِ والانحدارِ نحوَ السلوكيَّاتِ الحيوانيَّةِ حتَّى فِي تعاملِهَا فيمَا بينِهَا تنعدمُ الإنسانيَّةُ مِن ترهيبٍ وتقتيلٍ وزهقٍ للأرواحِ البريئةِ والوحشيَّةِ فِي التعاملِ وفرضِ السيطرةِ، فالانحدارُ الأخلاقيُّ يشملُ كلَّ أنواعِ التصرُّفاتِ، يشملُ البهائميَّةَ فِي الحياةِ والتصرُّفاتِ العدوانيَّةَ واللاإنسانيَّة معَ الآخرِ، فالتفككُ العائليُّ فيمَا أظنُّ هُو مؤشرٌ غربيٌّ أمريكيٌّ إلى الآنَ ينطلقُ بسرعةِ الصاروخِ نحوَ عالمِ الشرقِ الذِي مازالَ لديهِ ممانعةٌ مِن قبولِ ذلكَ الضياعِ العائليِّ والانحدارِ الأخلاقيِّ، والذي يواجهُ بالرَّفضِ وفرضِ قوانِين خاصَّة بهِ لحمايةِ مجتمعاتِهِ مِن شرِّهِ خاصَّةً فِي الصينِ واليابانِ وبعضِ دولِ العالمِ العربيِّ، وإنْ كانتْ حالاتُ الانكشافِ والتبعيَّةِ تظهرُ وتزدادُ يومًا بعدَ يومٍ تبعًا لأنظمةِ وقوانِين دوليَّةٍ تتبنَّى علانيةً مظاهرَ الفسادِ الأخلاقيِّ، والتفككَ الأُسريَّ، والضياعَ العائليَّ ومَا تبنِّي المثليةِ والفسادِ الأخلاقيِّ والمناداةِ بعدمِ الإنجابِ، إلَّا بعضٌ مِن صورِ ذلكَ الذِي يقودُ إلى الانحدارِ الأخلاقيِّ والضياعِ العائليِّ ونشرِ فكرةِ الانفراديَّةِ فِي الحياةِ (نَفسِي.. نَفسِي) وتحويلهَا إلى حياةٍ خاليةٍ مِن كلِّ معانِي الإنسانيَّةِ والرَّحمةِ (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store