الفيلسوف، والمؤرخ، والطبيب، الفرنسي «غوستاف لوبون»، يعتبر أحد أشهر المستشرقين والمؤرخين الذين أولوا اهتماماً بالغاً بدراسة الحضارات الشرقية، وبالأخص العربية والإسلامية، حيث منحته جولاته التي قام بها في أوروبا، وآسيا، وشمال إفريقيا، الفرصة لاكتشاف هذه الحضارات الموغلة في القدم، لقد ركز «لوبون» في دراساته على دور الأخلاق في بناء الأمم والحضارات، تكلم بحيادية وموضوعية عن حضارة العرب والمسلمين، وأثرها في الحضارات الأخرى.
لم يقتصر نشاط «لوبون» على هذا المجال فقط، بل له إنتاج غزير في علم الأثار، والأنثروبولوجيا، ومن أبرز مؤلفاته التي تم ترجمتها إلى اللغة العربية: كتاب فلسفة التاريخ، وكتاب حضارة العرب، وكتاب اليهود في تاريخ الحضارات.
يقول «لوبون»: إن سر انتشار الإسلام يكمن في وضوحه، كما يكمن سر قوته في توحيده، وما أمر به من عدل، ومساواة، وتهذيب للنفس.
ولهذا يرى «لوبون» أن العرب والمسلمين وإن تواروا عن ساحة التاريخ، فإن حضارتهم، وديانتهم، ولغتهم، وفنونهم، ستبقى حية طوال الوقت.
قام «لوبون» بجولاته ليرى ويكتشف بنفسه، فكان له نظرته الاستثنائية للحضارات العربية والإسلامية، حيث قام بزيارة بين عامي 1884م- 1882م، إلى كل من المغرب والجزائر، وتونس ومصر، وسوريا والعراق وتركيا، تعرف من خلال هذه الزيارات على أوجه هذه الحضارات، وإسهاماتها على العالم الغربي، وتأثيرها فيه، إلى حد الإقرار في كتابه الشهير بعنوان «حضارة العرب»، بأن العرب والمسلمين هم الذين مدّنوا أوروبا وليس العكس؛ لذلك كان من أهم ما ركز عليه «لوبون» هو البحث عن الأسباب التي أدت لانحطاط الحضارة الإسلامية العظيمة.
اعتبر الكثير من المحايدين «لوبون» عالماً كبيراً، ومؤرخاً يستحق كل تقدير، من هؤلاء، الكاتبة الأمريكية «أليس وايدنر»، والطبيب النفسي الروماني البرفسور «سيرج موسكو فتشي»، وآخرون، وفي المقابل عزف الكثيرون عن متابعة أعماله ومؤلفاته، واتهموه بمجاملة العرب والمسلمين، واللافت أن غالبية من انتقده، كانوا من المتعصبين ضد العرب والمسلمين.
هنا أقتبس من بعض أقواله عن العرب والمسلمين:
إن حضارة العرب والمسلمين قد أدخلت الأمم الأوروبية المتوحشة في عالم الإنسانية، فقد كان العرب والمسلمين أساتذتنا.
إن جامعات الغرب لم تعرف مورداً علمياً ثرياً سوى مؤلفات العلماء العرب والمسلمين، فهم الذين مدّنوا أوروبا، مادةً، وعقلاً، وأخلاقاً، والتاريخ لا يعرف أمة أنتجت ما أنتجه العرب والمسلمين.
إن أوروبا مَدينة للعرب بحضارتها.. وإن العرب هم أول من علم العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين.. فهم الذين علموا الشعوب النصرانية.
وإن شئت فقل: هم الذين حاولوا أن يعلموها التسامح، الذي هو أثمن صفات الإنسان.. ولقد كانت أخلاق المسلمين في أدوار الإسلام الأولى أرقى كثيراً من أخلاق أمم الأرض قاطبة.
توفى الفيلسوف الطبيب «غوستاف لوبون» في العام 1931م، تاركاً وراءه إرثاً ضخماً من المؤلفات والأبحاث التي أثرت الفكر الإنساني.